ولما كان السمع والبصر مناطي العلم، وكان متصفاً منهما بما لا يعلمه حق علمه غيره، عجب من ذلك بقوله تعالى :﴿أبصر به وأسمع﴾ ولما كان القائم بشيء قد يقوم غيره مقامه إما بقهر أو شرك، نفى ذلك فانسد باب العلم عن غيره إلا جهته فقال تعالى :﴿ما لهم﴾ أي لهؤلاء السائلين ولا المسؤولين الراجمين بالغيب من أصحاب الكهف ﴿من دونه﴾ وأعرق بقوله تعالى :﴿من ولي﴾ يجيرهم منه أو بغير ما أخبر به ﴿ولا يشرك﴾ أي الله ﴿في حكمه أحداً*﴾ فيفعل شيئاً بغير أمره أو يخبر بشيء من غير طريقة.
ولما تقرر أنه لا شك في قوله : ولا يقدر أحد أن يأتي بما يماثله فكيف بما ينافيه مع كونه مختصاً بتمام العلم وشمول القدرة، حسن تعقيبه بقوله عطفاً على ﴿قل لله أعلم﴾ :﴿واتل﴾ أي اقرأ على وجه الملازمة ﴿ما أوحي إليك﴾ وبنى الفعل للمجهول لأن الخطاب مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو على القطع بأن الموحى إليه هو الله سبحانه وتعالى ﴿من كتاب ربك﴾ الذي أحسن تربيتك ف يقصة أهل الكهف وغيرها، على من رغب فيه غير ملتفت إلى غيره واتبعوا ما فيه واثقين بوعده ووعيده وإثباته ونفيه وعلى غيرهم.
٤٦٢
ولما كان الحامل على الكف عن إبلاغ رسالة المرسل وجدان من يتقضها أو عمي على المرسل، قال تعالى :﴿لا مبدل لكلماته﴾ فلا شك في وقوعها فلا عذر في التقصير في إبلاغها، والنسخ ليس بتبديل بهذا المعنى بل هو غاية لما كان ﴿ولن تجد﴾ أي بوجه من الوجوه ﴿من دونه﴾ أي أدنى منزلة من رتبته الشماء إلى آخر المنازل ﴿ملتحداً*﴾ أي ملجأ ومتحيزاً إليه فيمنعك منه إن قصرت في ذلك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٦١