ولما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شديد الحرص على إيمانهم كثيرالأسف على توليهم عنه يكاد يبخع نفسه حسرة عليهم وكانوا يقولون له إذا رأوا مثل هذا الحق الذي لا يجدون له مدفعاً : لو طردت هؤلاء الفقراء وأبعدتهم عنك مثل عمار وصهيب وبلال فإنه يؤذينا ريح جبابهم ونأنف من مجالستهم جلسنا إليك وسمعنا منك ورجونا أن نتبعك، قال يرغبه في أتباعه مزهداً فيمن عداهم كائناً من كان، معلماً أنه ليس فيهم ملجأ لمن خالف أمر الله وأنهم لا يريدون إلا تبديل كلمات الله فسيذلهم عن قريب ولا يجدون لهم ملتحداً :﴿واصبر نفسك﴾ أي احبسها وثبتها في تلاوته وتبيين معانيه ﴿مع الذين يدعون ربهم﴾ شكراً لإحسانه، واعترافاً بامتنانه، وكنى عن المداومة بما يدل على البعث الذي كانت قصة أهل الكهف دليلاً عليه فقال تعالى :﴿بالغداوة﴾ أي التي الانتقال فيها من النوم إلى اليقظة كالانتقال من الموت إلى الحياة ﴿والعشي﴾ أي التي الانتقال فيها من اليقظة إلى النوم كالانتقال من الحياة إلى الموت ؛ ثم مدحهم بقوله تعالى معللاً لدعائهم :﴿يريدون﴾ أي بذلك ﴿وجهه﴾ لا غير ذلك في رجاء ثواب أو خوف عقاب وإن كانوا في غاية الرثاثة، وأكد ذلك بالنهي عن ضده فقال مؤكداً للمعنى لقصر الفعل وتضمينه فعلاً آخر :﴿ولا تعد عيناك﴾ علواً ونبوءاً وتجاوزاً ﴿عنهم﴾ إلى غيرهم، أي لا تعرض عنهم، حال كونك ﴿تريد زينة الحياة الدنيا﴾ التي قدمنا في هذه السورة أنا زينا بها الأرض لنبلوهم بذلكن فإنهم وإن كانوا اليوم عند هؤلاء مؤخرين فهم عند الملك الأعلى مقدمون، وليكونن عن قريب - إذا بعثنا من نريد من العباد بالحياة من برزخ الجهل - في الطبقة العليا من أهل العز، وأما بعد البعث الحقيقي فلتكونن لهم مواكب يهاب الدنو منها كما كان لأهل العز، وأما بعد البعث من نريد من العباد بالحياة من في حياتهم قبلها هاربين مستخفين في غاية الخوف والذل، وأما إن عدّت العينان أحداً لما غفل عنه من الذكر،


الصفحة التالية
Icon