وشبهه به من أجل تناهي الحر مع كونه ثخيناً، وبين وجه الشبه بقوله تعالى :﴿يشوي الوجوه﴾ أي إذا قرب إلى الفم فكيف بالفم والجوف! ثم وصل بذلك ذمه فقال تعالى :﴿بئس الشراب﴾ أي هو، فإنه أسود منتن غليظ حار، وعطف عليه ذم النار المعدة لهم فقال تعالى :﴿وساءت مرتفقا*﴾ أي منزلاً يعد للارتفاق، فكأنه قيل : فما لمن آمن ؟ فقال تعالى :﴿إن الذين ءامنوا﴾ ولما كان الإيمان هو الإذعان للأوامر، عطف عليه ما يحقق ذلك فقال تعالى :﴿وعملوا الصالحات﴾ ثم عظم جزاءهم بقوله تعالى :﴿إنا لا نضيع﴾ أي بوجه من الوجوه لما يقتضيه عظمتنا ﴿أجر من أحسن عملاً*﴾ مشيراً بإظهار إلى أنهم استحقوا بذلك الوصف بالإحسان، فكأنه قيل : فما لهم ؟ فقال مفصلاً لما أجمل من وعدهم :﴿أولئك﴾ أي العالو الرتبة ﴿لهم جنات عدن﴾ أي إقامة، فكأنه قيل : ما لهم فيها ؟
٤٦٥
فقيل :﴿تجري من تحتهم﴾ أي تحت منازلهم ﴿الأنهار﴾ فكأنه قيلك ثم ماذا ؟ فقيل :﴿يحلون فيها﴾ وبنى الفعل للمجهول لأن القصد وجود التحلية، وهي لعزتها إنما يؤتي بها من الغيب فضلاً من الله تعالى.
ولما كان الله أعظم من كل شيء، فكانت نعمه لا يحصى نوع منها، قال تعالى مبعضاً :﴿من أساور﴾ جمع أسورة جمع سوار، كما يلبس ذلك ملوك الدنيا من جبابرة الكفرة في بعض الأقاليم كأهل فارس.
ولماكان لمقصودها نظر إلى التفضيل والفعل بالاختيار على الإطلاق، وقع الترغيب في طاعته بما هو أعلى من الفضة فقال مبعضاً أيضاً :﴿من ذهب﴾ أي ذهب هو في غاية العظمة.