والمتجبرين الذين يستكبرون على المؤمنين، ويطلبون طردهم لضعفهم وفقرهم :﴿مثلاً﴾ لما آتاهم الله من زينة الحياة الدنيا، فاعتمدوا عليهم وركنوا إليه ولم يشكروا من آتاهم إياه عليه، بل أداهم إلى الافتقار والتكبير على من زوى ذلك عنه إكراماً له وصيانة عنه ﴿رجلين﴾ فكأنه قيل : فما مثلها ؟ فقيل :﴿جعلنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿لأحدهما﴾ وهو المجعول مثلاً لهم ﴿جنتين﴾ أي بساتين يستر ما فيهما من الأشجار من يدخلهما على أي وضع من الأوضاع كانتا، ومن جملة الأوضاع أن تكون إحداهما من السهل والأخرى في الجبل، ليبعد عموم عاهة لهما لأنهما إما من برد أو حر ﴿من أعناب﴾ لأنها من أشجار البلاد الباردة وتصبر على الحر، وهي فاكهة وقوت بالعنب والزبيب والخل وغيرها ﴿وحففناهما﴾ أي حططناهما بعظمتنا ﴿بنخل﴾ لأنها من أشجار البلاد الحارة، وتصبر على البرد، وربما منعت عن الأعناب بعض أسباب العاهات، وثمرها فاكهة بالبسر والرطب وقوت بالتمر والخل فكأن النخل كالإكليل من وراء العنب، وهو مما يؤثره الدهاقين لأنه في غاية البهجة والمنفعة ﴿وجعلنا بينهما﴾ أي أرضي الجنتين ﴿زرعاً*﴾ لبعد شمول الآفة للكل، لأن زمان الزرع ومكانه غير زمان أثمار الشجر المقدم وأفضل الأقوات، وعمارتهما متواصلة متشابكة لم يتوسطها ما يقطعها ويفصل بينها، مع سعة الأطراف، وتباعد الأكناف، وحسن الهيئات والأوصاف.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٦٦
ولما كان الشجر قد يكون فاسداً من جهة أرضه، نفى ذلك بقوله تعالى ؛ جواباً لمن كأنه قال : ما حال أرضهما المنتج لزكاء ثمرها ؟ :﴿كلتا﴾ أي كل واحدة من ﴿الجنتين﴾ المذكورتين ﴿ءاتت أكلها﴾ أي ما يطلب منها ويؤكل من ثمر وحب، كاملاً غير منسوب شيء منهما إلى نقص ولا رداءة، وهو معنى :﴿ولم تظلم﴾ أي تنقص حساً ولا معنى كمن يضع الشيء في غير موضعه ﴿منه شيئاً﴾.