ولما كان الشجر ربما أضر بدوامه قلة السقي قال تعالى :﴿وفجرنا﴾ أي تفجيراً يناسب عظمتنا ﴿خلالهما نهراً*﴾ أي يمتد فيتشعب فيكون كالأنهار لتدوم طراوة الأرض ويستغني عن المطر عند القحط ؛ ثم زاد في ضخامة هذا الرجل فبين أن له غير هاتين الجنتين والزرع بقوله تعالى :﴿وكان له﴾ أي صاحب الجنتين ﴿ثمر﴾ أي مال مثمر غير ما تقدم كثير، ذو أنواع ليكون متمكناً من العمارة بالأعوان والآلات وجميع ما يريد ﴿فقال﴾ أي هذا الكافر ﴿لصاحبه﴾ أي المسلم المجعول مثلاً لفقراء المؤمنين ﴿وهو﴾
٤٦٧
أي صاحب الجنان ﴿يحاوره﴾ أي يراجعه الكلام، من حار يحور - إذا رجع افتخاراً عليه وتقبيحاً لحاله بالنسبة إليه، والمسلم يحاوره بالوعظ وتقبيح الركون إلى الدنيا :﴿أنا أكثر منك مالاً﴾ لما ترى من جناني وثماري ﴿وأعز نفراً*﴾ أي ناساً يقومون معي في المهمات، وينفرون عند الضرورات، لأن ذلك لازم لكثرة المال ﴿ودخل جنته﴾ وحد لإرادة الجنس ودلالة على ما أفاده الكلام من أنهما لاتصالهما كالجنة الواحدة، وإشارة إلى أنه لا جنة له غيرها لأنه لاحظ له في الآخرة ﴿وهو﴾ أي والحال أنه ﴿ظالم لنفسه﴾ بالاعتماد على ماله والإعراض عن ربه ؛ ثم استأنف بيان ظلمه بقوله :﴿قال﴾ لما استولى عليه من طول أمله وشدة حرصه وتمادي غفلته واطراحه للنظر في العواقب بطول المهلة وسبوغ النعمة :﴿ما أظن أن تبيد﴾ أي تهلك هلاكاً ظاهراً مستولياً ﴿هذه أبداً*﴾ ثم زاد في الطغيان والبطر بقصر النظر على الحاضر فقال :﴿وما أظن الساعة قائمة﴾ استلذاذاً بما هو فيه وإخلاداً إليه واعتماداً عليه.