ولما كان الإنسان مجبولاً على غلبة الرجاء عليه، فإذا حصل له من دواعي الغنى وطول الراحة وبلوغ المأمول والاستدراج بالظفر بالسؤال ما يربيه، ويثبت أصوله ويقويه، اضمحل الخوف فلم يزل يتضاءل حتى لا يتلاشى فكان عدماً، فقال تعالى حاكياً عن هذا الكافر ما أثمر له الرجاء من أمانه من سوء ما يأتي به القدر مقسماً :﴿ولئن رددت﴾ أي ردني راد ﴿إلى ربي﴾ المحسن إلي في هذه الدار، في السعة على تقدير قيامها الذي يستعمل في فرضه أداة الشك ﴿لأجدن خيراً منها﴾ أي هذه الجنة ؛ وقرأ ابن كثير وابن عامر بالتثنية للجنتين ﴿منقلباً*﴾ أي من جهة الانقلاب وزمانه ومكانه، لأنه ما أعطاني ذلك إلا باستحقاقي، وهو وصف لي غير منفك في الدارين، وإن لم يقولوا نحو هذا بألسنة مقالهم فإن ألسنة أحوالهم ناطقة به، فكأنه قيل : إن هذا لفي عداد البهائم حيث قصر النظر على الجزيئات، ولم يجوز أن يكون التمويل استدراجاً، فما قال له الآخر ؟ فقل :﴿قال له صاحبه وهو﴾ أي والحال إن ذلك الصاحب ﴿يحاوره﴾ منكراً عليه :﴿أكفرت﴾.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٦٦
ولما كان كفره بإنكار البعث، دل عليه بقوله تعالى :﴿بالذي خلقك من تراب﴾ بخلق أصلك ﴿ثم من نطفة﴾ متولدة من أغذية أصلها تراب ﴿ثم سواك﴾ بعد أن أولدك وطورك تكذيباً للرسل واستقصاراً للقدرة، ولم تثبت لها في الإعادة ما ثبت لها بعلمك في الابتداء، ثم لم تجوزها بعد القطع بالنفي إلا على سبيل الفرض بأداة الشك، وهي من دعائم أصول الدين الذي لا يقتنع فيه إلا بالقطع، ونسبته إلى البعث الذي لا يرضاه
٤٦٨
عاقل إذ جعلت غاية هذا الخلق البديع في هذا التطوير العظيم الموت الذي لو كان غاية كما زعمت - لفوّت على المطيع الثواب، وعلى العاصي العقاب.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٦٦