ولما أنكر على صاحبه، أخبر عن اعتقاده بما يضاد اعتقاد صاحبه، فقال مؤكداً لأجل إنكار صاحبه مستدركاً لأجل كفرانه :﴿لكنا﴾ لكن أنا.
ولما كان سبحانه لا شيء أظهر منه ولا شيء أبطن منه، أشار إلى ذلك جميعاً بإضماره قبل الذكر فقال تعالى :﴿هو﴾ أي الظاهر أتم ظهور فلا يخفية أصلاً، ويجوز أن يكون الضمير للذي خلقك ﴿الله﴾ أي المحيط بصفات الكمال ﴿ربي﴾ وحده، لم يحسن إليّ في عبادتي ﴿أحداً*﴾ كما لم يشاركه في إحسانه إليّ أحد، فإن الكل خلقه وعبيده، وأنى يكون العبد شريكاً للرب! فإني لا أرى الغنى والفقر إلا منه، وأنت - لما اعتمدت على مالك - كنت مشركاً به.
ولما كان المؤمنون على طريق الأنبياء في إرادة الخير والإرشاد إلى سبيل النجاة وعدم الحقد على أحد بشر أسلفه وجهل قدمه، قال له مصرحاً بالتعليم بعد أن لوح له به فيما ذكره عن نفسه مما يجب عليه :﴿ولولا إذ﴾ أي وهلا حين ﴿دخلت جنتك قلت﴾ ما يدل على تفويضك الأمر فيها وفي غيرها إلى الله تعالى كما تقدم الإرشاد إليه في آية ﴿ولا تقولن لشي﴾ [ الكهف : ٢٣] تاركاً للافتخار بها، ومستحضراً لأن الذي وهبكها قادر على سلبك إياها ليقودك ذلك إلى التوحيد وعدم الشرك، فلا تفرح بها ولا بغيرها مما يفنى لأنه لا ينبغي الفرح إلا بما يؤمن عليه بالزوال ﴿ما شاء الله﴾ أي الذي له الأمر كله، كان، سواء كان حاضراً أو مستقبلاً، ولذلك أعراها عن الجواب، لا ما يشاؤه غيره ولا يشاؤه هو سبحانه ؛ ثم علل ذلك بقوله تعالى :﴿لا قوة﴾ أي لأحد على بستان وغيره ﴿إلا بالله﴾ أي التوحيد بالكمال، فلا شريك له، وأفادت هذه الكلمة إثبات القوة لله وبراءة العبد منها، والتنبيه على أنه لا قدرة لأحد من الخلق إلا بتقديره، فلا يخاف من غيره، والتنبيه على فساد قول الفلاسفة في الطبائع من أنها مؤثرة بنفسها.
٤٦٩


الصفحة التالية
Icon