ولما كان من المعلوم أن هذا المؤمن المخلص بعين الرضى، كان من المعلوم ان التقدير : فاستجيب لهذا الرجل المؤمن، أو : فحقق له ما توقعه فخيب ظن المشرك، فعطف عليه قوله :﴿وأحيط﴾ أي أوقعت الإحاطة بالهلاك، بني للمفعول لأن الفكر حاصل بإحاطة الهلاك من غير نظر إلى فاعل مخصوص، وللدلالة على سهولته ﴿بثمرة﴾ أي الرجل المشرك، كله فاستؤصل هلاكاً ما في السهل منه وما في الجبل، وما يصبر منه على البرد والحر وما لا يصبر ﴿فأصبح يقلب كفيه﴾ ندماً، ويضرب إحداهما على الأخرى تحسراً ﴿على ما أنفق فيها﴾ لعمارتها ونمائها ﴿وهي خاوية﴾ أي ساقطة مع الخلو ﴿على عروشها﴾ أي دعائمها التي كانت تحملها فسقطت على الأرض وسقطت هي فوقها ﴿ويقول﴾ تمنياً لرد ما فات لحيرته وذهول عقله ودهشته :﴿يا ليتني﴾ تمنياً لاعتماده على الله من غير إشراك بالاعتماد على الفاني ﴿لم أشرك بربي أحداً*﴾ كما قاله له صاحبه، فندم حيث لم ينفعه الندم على ما فرط في الماضي لأجل ما فاته من الدنيا، لا حرصاً على الإيمان لحصول الفوز في العقبى، لقصور عقله ووقوفه مع
٤٧٠
المحسوسات المشاهدات ﴿ولم تكن له فئة﴾ أي جماعة لا من نفره الذين اعتز بهم ولا من غيرهم ﴿ينصرونه﴾ مما وقع فيه ﴿من دون الله﴾ أي بغير عون من الملك الأعظم ﴿وما كان﴾ هو ﴿منتصراً*﴾ بنفسه، بل ليس الأمر في ذلك إلا لله وحده.
ولما أنتج هذا المثل قطعاً أنه لا لغير الله المرجو لنصر أوليائه بعد ذلهم، ولإغنائهم بعد فقرهم، ولإذلال أعدائه بعد عزهم وكبرهمن وإفقارهم بعد إغنائهم وجبرهم، وأن غيره إنما هو كالخيال لا حقيقة له، صرح بذلك في قوله تعالى :﴿هنالك﴾ أي في مثل هذه الشدائد العظيمة ﴿الولاية﴾ أي النصرة - على قراءة الفتح، والسلطان - على الكسر، وهي قراءة حمزة والكسائي، والفتح لغيرهما، وهما بمعنى واحد، وهو المصدر كما صدر به في القاموس.