ونضرتها، واختلابها للنفوس ببهجتها، واستيلائها على الأهواء بزهرتها، واختداعها لذوي الشهوات بزينتها، ثم اضمحلالها وسرعة زوالها، أفرح ما كانوا بها، وأرغب ما كانوا فيها مرة بعد أخرى، على مر الأيام وكر الشهور، وتوالي الأعوام وتعاقب الدهور، بحيث نادت على نفسها بالتحذير منها والتنفير عنها للعاقل اللقن، والكيس الفطن، رغبة إلى الباقي الذي يدوم سروره، ويبقى نعيمه وحبوره، وذلك المثل ﴿كماء أنزلناه﴾ بعظمتنا واقتدارنا بعد يبس الأرض وجفاف ما فيها وزواله، وبقلعه كما تشاهدونه واستئصاله، وقال :﴿من السماء﴾ تنبيهاً على بليغ القدرة في إمساكه في العلو وإنزاله في وقت الحاجة على الوجه النافع ﴿فاختلط﴾ أي فتعقب وتسبب عن إنزاله أنه اختلط ﴿به نبات الأرض﴾ أي التراب الذي كان نباتاً ارفت بطول العهد في بطنها، فاجتمع بالماء والتفّ وتكاثف، فهيأنا بالتخمير والصنع الذي لا يقدر عليه سوانا حتى أخرجناه من الأرض أخضر يهتز على ألوان مختلفة ومقادير متفاوتة ثم أيبسناه ﴿فأصبح هشيماً﴾ أي يابساً مكسراًمفتتاً ﴿تذروه﴾ أي تثيره وتفرقه وتذهب به ﴿الرياح﴾ حتى يصير عما قليل كأنه بقدرة الله تعالى لم يكن ﴿وكان الله﴾ أي المختص بصفات الكمال ﴿على كل شيء﴾ من ذلك وغيره إنشاء وإفناء وإعادة ﴿مقتدراً*﴾ أزلاً وأبداً، فلا تظنوا أن ما تشاهدونه من قدرته حادث.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧١