ولما ذكر المبدأ وبنه على زواله، وختم بأن المقصود منه الاختيار للرفعة بالثواب أو الضعة بالعقاب، وكان الخزي والصغار، أعظم شيء ترهبه النفوس الكبار، لاسيما إذا عظم الجمع واشتد الأمر، فكيف إذا انضم إليه الفقر فيكف إذا صاحبهما الحبس وكان يوم الحشر يوماً يجمع فيه الخلائق، فهو بالحقيقة المشهود، وتظهر فيه العظمة فهو وحده المرهوب، عقب ذكر الجزاء ذكره، لأنه أعظم يوم يظهر فيه، فقال تعالى عاطفاً على ﴿واضرب﴾ :﴿يوم﴾ أي واذكر لهم يوم ﴿نسير الجبال﴾ عن وجه الأرض بعواصف القدرة كما يسير نبات الأرض - بعد ان صار هشمياً - بالرياح ﴿فترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب﴾ [النحل : ٨٨] ﴿وترى الأرض﴾ بكمالها ﴿بارزة﴾ لا غار فيها ولا صدع ولا جبل ولا نبت ولا شجر ولا ظل ﴿و﴾ الحال أنا قد ﴿حشرناهم﴾ أي الخلائق بعظمتنا قبل التسيير بتلك الصيحة، قهراً إلى الموقف الذي ينكشف فيه المخبآت، وتظهر الفضائح والمغيبات، ويقع الحساب فيه على النقير والقطمير، والنافذ فيه بصير، فينظرون ويسمعون زلازل الجبال عند زوالها، وقعاقع الأبنية والأشجار في هدها وتباين أوصالها، وفنائها بعد عظيم مرآها واضمحلالها ﴿فلم نغادر﴾ أي نترك بما لنا من العظمة ﴿منهم﴾ أي الأولين والآخرين ﴿أحداً*﴾ لأنه لا ذهول ولا عجز.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧١
ولما ذكر سبحانه حشرهم، وكان من المعلوم أنه للعرضن ذكر كيفية ذلك العرض، فقال بانياً الفعل للمفعول عل طريقة كلام القادرين، ولأن المخوف العرض لا
٤٧٣


الصفحة التالية
Icon