كونه من معين :﴿وعرضوا على ربك﴾ أي المحسن إليك برفع أوليائك وخفض أعدائك ﴿صفا﴾ لاتساع والمسايقة إلى داره، لعرض أذل شيء وأصغره، وأطوعه وأحقره، يقال لهم تنبيهاً على مقام العظمة :﴿لقد جئتمونا﴾ أحياء سويين حفاة عراة غرلا ﴿كما خلقناكم﴾ بتلك العظمة ﴿أول مرة﴾ منعزلين من كل شيء كنتم تجمعونه وتفاخرون به منقادين مذعنين فتقولون ﴿هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون﴾ [يس : ٥٢] فيقال لكم :﴿بل زعمتم﴾ أي ادعيتم جهلاً بعظمتنا ﴿أن﴾ أي أنا ﴿لن نجعل لكم﴾ على ما لنا من العظمة ﴿موعداً*﴾ أي مكاناً ووقتاً نجمعكم فيه هذا الجمع فننجز ما وعدناكم به على ألسنة الرسل ﴿ووضع﴾ بأيسر أمر بعد العرض المستعقب للجمع بأدنى إشارة ﴿الكتاب﴾ المضبوط فيه دقائق الأعمال وجلائلها على وجه بيِّن لا يخفي على قارئ ولا غيره شيء منه ﴿فترى المجرمين﴾ لتقر عينك منهم بشماتة لا خير بعدها ﴿مشفقين مما فيه﴾ من قبائح أعمالهم، وسيئ أفعالهم وأقوالهم أي خائفين دائماً خوفاً عظيماً من عقاب الحق والفضيحة عند الخلق ﴿ويقولون﴾ أي يجددون ويكررون قولهم :﴿ياويلتنا﴾ كناية عن أنه لا نديم لهم إذ ذاك إلا الهلاك ﴿مال هذا الكتاب﴾ أي أي شيء له حال كونه على غير حال الكتب في الدنيا، ورسم لام الجر وحده إشارة إلى أنهم صاروا من قوة الرعب وشدة الكرب يقفون على بعض الكتب، وفسروا حال الكتاب التي أفظعتهم وسألوا عنهم بقولهم :﴿لا يغادر﴾ أي يترك أي يقع منه غدر، أي عدم الوفاء وهو من غادر الشيء : تركه كأن كلاًّ منهما يريد غدر الآخر، أي عدم الوفاء به، من الغدير - لقطعه من الماء يتركها السيل كأنه لم يوف لهما بأخذ ما معه، وكذا الغديرة لناقة تركها الراعي ﴿صغيرة﴾ أي من أعمالنا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٣


الصفحة التالية
Icon