ولما هالهم إثبات جميع الصغائر، بدؤوا بها، وصرحوا بالكبائر - وإن كان إثبات الصغائر يفهمها - تأكيداً لأن المقام للتهويل وتعظيم التفجع، وإشارة إلى أن الذي جرهم إليها هو الصغائر - كما قال الفضيل بن عياض رضي الله عنه - فقالوا :﴿ولا كبيرة إلا أحصاها﴾ ولما كان الإحصاء قد لا يستلزم اطلاع صاحب الكتاب وجزاءه عليه، نفى ذلك بقوله تعالى :﴿ووجدوا ما علموا حاضراً﴾ كتابة وجزاء من غير أن يظلمهم سبحانه أو يظلم من عادوهم فيه ﴿ولا يظلم ربك﴾ الذي رباك بخلق القرآن ﴿أحداً*﴾ منهم ولا من غيرهم في كتاب ولا عقاب ولا ثواب، بل يجازى الأعداء بما يستحقون، تعذيباً لهم وتنعيماً لأوليائه الذين عادوهم فيه للعدل بينهم ؛ روى الإمام أحمد في المسند عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سافر إلى عبد الله بن أنيس رضي الله عنه مسيرة شهر فاستأذن عليه قال : فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته، قلت : حديث بلغني عنك
٤٧٤
أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في القصاص، فخشيت أن تموت قبل أن أسمعه، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول :"يحشر الله عز وجل الناس - أو قال : العباد - حفاة عراة بهما" قلت : وما بهما ؟ قال :"ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب : أنا الملك أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحدمن أهل الجنة حق حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وله عند أحد من أهل النار حق حتى أقصه منه حتى اللطمة، " قال : قلنا : كيف وإنما نأتي الله حفاة عراة بهما ؟ قال :"بالحسنات والسيئات ".