ولما كان الشريك لا يستأثر بفعل أمر عظيم في المشترك فيه من غير علم لشريكه به، قال معللاً للذم على هذا الظلم بما يدل عل حقارتهم عن هذه الرتبة، عادلاً في أسلوب التكلم إلى التجريد عن مظهر العظمة لئلا يتعنت من أهل الإشراك متعنت كما عدل في ﴿دوني﴾ لذلك :﴿ما أشهدتهم﴾ أي إبليس وذريته ﴿خلق السماوات والأرض﴾ نوعاً من أنواه الإشهاد ﴿ولا خلق أنفسهم﴾ إشارة إلى أنهم مخلوقون وأنه لا يصح في عقل عاقل أن يكون مخلوق شريكاً لخالقه أصلاً ﴿وما كنت﴾ أي أزلاً وأبداً متخذهم، هكذا الأصل ولكنه أبرز إرشاداً إلى أن المضل لا يستعان به، لأنه مع عدم نفعه يضر، فقال تعالى :﴿متخذ المضلين عضداً*﴾ إشارة إلى أنه لا يؤسف على فوات إسلام
٤٧٦
أحد، فإن من علم فيه خيراً أسمعه، ومن لم يسمعه فهو مضل ليس أهلاً لنصرة الدين.
ولما أقام البرهان القاطع على بعد رتبتهم عن المنزلة التي أحلوهم بها من الشرك، أتبعه التعريف بأنهم مع عدم نفعهم لهم في الدنيا يتخلون عنهم في الآخرة أحوج ما يكونون إليهم تخييباً لظنهم أنهم يقربونهم إلى الله زلفى، فقال تعالى عاطفاً على ﴿إذ قلنا﴾ عادلاً إلى مقام الغيبة، إشارة إلى بعدهم عن حضرته الشماء وتعاليه عما قد يتوهم من قوله تعالى ﴿وعرضوا على ربك صفاً لقد جئتمونا﴾ [ الكهف : ٤٨] في حجب الجلال والكبرياء، وجرى حمزة في قراءته بالنون على أسلوب التكلم الذي كان فيه مع زيادة العظمة :﴿ويوم﴾ أي واذكر يوم ﴿يقول﴾ الله لهم تهكماً بهم :﴿نادوا شركاءي﴾ وبين أن الإضافة ليست على حقيقتها، بل هي توبيخ لهم فقال تعالى :﴿الذين زعمتم﴾ أنهم شركاء ﴿فدعوهم﴾ تمادياً في الجهل والضلال ﴿فلم يستجيبوا لهم﴾ أي لم يطلبوا ويريدوا أن يجيبوهم إعراضاً عنهم استهانة بهم واشتغالاً بأنفسهم فضلاً عن أن يعينوهم.