ولما بين إعراضهم، بين موجبه عندهم فقال :﴿وما منع﴾ ولما كان الناس تبعاً لقريش قال :﴿الناس﴾ أي الذين جادلوا بالباطل، الإيمان - هكذا كان الأصلن ولكنه عبرعن هذا المفعول الثاني بقوله تعالى :﴿أن يؤمنوا﴾ ليفيد التجديد وذمهم على الترك
٤٨١
﴿إذ﴾ أي حين ﴿جاءهم الهدى﴾ بالكتاب على لسان الرسول، وعطف على المفعول الثاني - معبراً بمثل ما مضى لما مضى - قولَه تعالى :﴿ويستغفروا ربهم﴾ أي المحسن إليهم.
ولما كان الاستثناء مفرغاً، أتى بالفاعل فقال تعالى :﴿إلا أن﴾ أي طلب أن ﴿تأتيهم سنة الأولين﴾ في إجابتهم إلى ما اقترحوه على رسلهم، المقتضي للاستئصال لمن استمر على الضلال، ومن ذلك طلبهم أن يكون النبي ملكاً، وذلك نقمة في صورة نعمة وإتيان بالعذاب دبراً، أي مستوراً ﴿أو﴾ طلب أن ﴿يأتيهم العذاب قبلاً*﴾ أي مواجهة ومعاينة ومشاهدة من غير ستر له، هو في قراءة من كسر القاف وفتح الباء واضح، من قولهم : لقيت فلاناً قبلاً، أي معاينة، وكذا في قراءة من ضمهما، من قولهم : أنا آيتك قبلاً لا دبراً، أي مواجهة من جهة وجهك لا من جهة قفاك، قال تعالى :﴿إن كان قميصه قدَّ من قبل﴾ [ يوسف : ٢٦]، ويصح أن يراد بهذه القراءة الجماعة، لأن المراد بالعذاب الجنس أي يأتيهم أصنافاً مصنفة صنفاً ونوعاً نوعاً، وقد مضى في الأنعام بيانه، وهذا الشق قسيم الإتيان بسنة الأولين، فمعناه : من غير أن يجابوا إلى ما اقترحوا كما تقدم في التي قبلها ﴿فأبى أكثر الناس إلا كفوراً وقالوا لن نؤمن لك﴾ - إلى قوله تعالى :﴿أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً﴾ [الإسراء : ٩٢] الآية وهذه الآية من الاحتباك : ذكر ﴿سنة الأولين﴾ أولاً يدل على ضدها ثانياً، وذكر المكاشفة ثانياً يدل على المساواة أولاً.