ولما كان ذلك ليس إلى الرسول، إنما هو إلى الإله، بينه بقوله تعالى :﴿وما نرسل﴾ على ما لنا من العظمة التي لا أمر لأحد معنا فيها ﴿المرسلين إلا مبشرين﴾ بالخير على أفعال الطاعة ﴿ومنذرين﴾ بالشر على أفعال المعصية، فيطلب منهم الظالمون من أممهم ما ليس إليهم من فصل الأمر ﴿ويجادل الذين كفروا﴾ أي يجددون الجدال كلما أتاهم أمر من قبلنا ﴿بالباطل﴾ من قولهم : لو كنتم صادقين لأتيتم بما نكلب منكم، مع أن ليس كذلك لأنه ليس لأحد غير الله من الأمر شيء ﴿ليدحضوا﴾ أي ليزلقوا فيزيلوا ويبطلوا ﴿به الحق﴾ الثابت من المعجزات المثبتة لصدقهم.
ولما كان لكل مقام مقال، ولكل مقال حد وحال، فأتى في الجدال بصيغة الاستقبال، وكان اتخاذ الاستهزاء أمراً واحداً، أتى به ماضياً فقال تعالى :﴿واتخذوا﴾ أي كلفوا أنفسهم أن أخذوا ﴿ءاياتي﴾ بالبشارات التي هي المقصودة بالذات لكل ذي روح ﴿وما أنذروا﴾ من آياتي، بني للمفعول لأن الفاعل معروف والمخيف الإنذار ﴿هزواً*﴾ مع بعدهما جداً عن ذلك، فلا بالرغبة أطاعوا، ولا للرهبة ارتاعوا، فكانوا شراً من البهائم.
٤٨٢
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨١
ولما حكي عنهم هذا الجدال، والاستهزاء والضلال، وصفهم بما يموجب الخزي فقال - عاطفاً على ما تقديره : فكانوا بذلك اظلم الظالمين :﴿ومن أظلم﴾ منهم - استفهاماً على سبيل التقريرن ولكنه أظهر للتنبيه على الوصف الموجب للإنكار على من شك في أنهم أظلم.
فقال تعالى :﴿ممن ذكر﴾ أي من أيّ مذكر كان ﴿بأيات﴾ أي علامات ﴿ربه﴾ المحسن إليه بهاح قال الأصفهاني : وهذا من أفصح التقرير أن يوقف الرجل على ما لاجواب فيه إلا الذي يريد خصمه.