ولما كان التذكير سبباً للإقبال فعكسوا فيه قال تعالى :﴿فأعرض عنها﴾ تاركاً لما يعرف من تلك العلامات العجيبة وما يوجبه ذلك الإحسان من الشكر ﴿ونسي ما قدمت يداه﴾ من الفساد الذي هو عارف - لو صرف عقله إلى الفكر فيما ينفعه - أن الحكمة تقتضي جزاءه عليه، وأفرد الضمير في جميع هذا على لفظ ﴿من﴾ إشارة إلى أن من فعل مثل هذا - ولو أنه واحد - كان هكذا، والأحسن أن يقال : إنهم لما كانوا قد سألوا اليهود عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما أشير إليه عند ﴿ويسألونك عن الروح﴾ [ الإسراء : ٨٥] فأمروهم بسؤاله عما جعلوه أمارة على صدقه، فلم يؤثر ذلك فيهم، واستمروا بعد إخباره بالحق على التكذيب، شرح حالهم بالتعقيب بالفاء، فكان المعنى : من أظلم منهم، لأنهم ذكروا فأعرضوا ونسوا ما اعتقدوا أنه دليل الصدق، وأنه لا جدال بعده، وسيأتي لموقع الفاء في آخر السجدة مزيد بيان، وإسناد الفعل في الإعراض وما بعده إليهم حقيقة مما لهم من الكسب كما أن إسناد الجعل وما بعده إلى الله حقيقة بما له من الخلق.
ولما كان كأنه قيل : ما لهم فعلوا ذلك ؟ أيجهل قبح هذا أحد ؟ قيل :﴿إنا جعلنا﴾ بما لنا من القدرة على إعماء البصائر والأبصار ﴿على قلوبهم﴾ فجمع رجوعاً إلى أسلوب ﴿واتخذوا ءاياتي﴾ لأنه أنص على ذم كل واحد ﴿أكنة﴾ أي أغطية مستعلية عليها استعلاء يدل سياق العظمة على أنه لا يدع شيئاً من الحيز يصل إليها، فهي لا تعي شيئاً من آياتنا، ودل بتذكير الضمير على أن المراد بالآيات القرآن فقال تعالى :﴿أن﴾ أي كراهة أن ﴿يفقهوه﴾ أي يفهموه ﴿وفي ءاذانهم وقراً﴾ أي ثقلاً فهم لا يسمعون حق السمع، ولا يعون حق الوعي ﴿وإن تدعهم﴾ أي تكرر دعاءهم كل وقت ﴿إلى الهدى﴾
٤٨٣