ومن جوابهم عما لعلهم يقولون للعرب بهتاً وحسداً " لو كان نبياً ما قال : أخبركم غداً وتأخر عن ذلك " بما اتفق لموسى في وعده الخضر عليهما السلام بالصبر، وبما خفي عليه مما اطلع عليه الخضر عليهما السلام، فقال تعالى عاطفاً على قوله سبحانه ﴿وإذ قلنا للملائكة﴾ :﴿وإذ﴾ أي واذكر لهم حين ﴿قال موسى﴾ أي ابن عمران المرسل إلى بني إسرائيل، أي قوله الذي كان في ذلك الحين ﴿لفتاه﴾ يوشع بن نون عليهما السلام :﴿لا أبرح﴾ أي لا أزال سائراً في طلب العبد الذي أعلمني ربي بفضله - كما دل عليه ما يأتي ﴿حتى أبلغ مجمع البحرين﴾ أي ملتقاهما وموضع اختلاطهما الذي سبق إليه فهمي، فتعينت البداءة به فألقاه ثَمّ ﴿أو أمضي حقباً *﴾ إن لم أظفر بمجمع البحرين الذي جعله ربي موعداً لي في لقائه ؛ والحقب - قال في القاموس - ثمانون سنة أو أكثر والدهر والسنة أو السنون - انتهى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨٤
وما أنسب التوقيت بمجمع بحري الماء بمجمع بحري العلم وتزودهما بالنون الذي قرنه الله بالقلم وما يسطرون، وعين الحياة لأن العلم حياة القلوب، فسارا وتزودا حوتاً مشوياً في مكتل كما أمر به، فكانا يأكلان منه إلى أن بلغا المجمع ﴿فلما بلغا مجمع بينهما﴾ أي البحرين، فلم يكن هناك بين أصلاً لصيرورتهما شيئاً واحداً ﴿نسيا حوتهما﴾ فلم يعلم موسى عليه السلام فنسي شيئاً من حاله ونسي أن يسأل عنه، وعلم يوشع عليه السلام بعض حاله فنسي أن يذكر ذلك له ﴿فاتخذ﴾ أي الحوت معجزة في معجزة ﴿سبيله﴾ أي طريقه الواسع الواضح ﴿في البحر سرباً *﴾ أي خرقاً في الماء غير ملتئم، من السرب الذي هو جحر الوحشين والحفير تحت الأرض، والقناة يدخل منها الماء الحائطز وقد ورد في حديثه في الصحيح أن الله تعالى أحياه وأمسك عن موضع جريه في الماء، فصار طاقاً لا يلتئم.