ولما قدم تشريفه بالذكر والرحمة والاختصاص بالإضافة إليه فدل ذلك على كمال القرب، قال :﴿نداء خفياً *﴾ أي كما يفعل المحب القريب مع حبيبه المقبل عليه في قصد خطاب السر الجامع بين شرف المناجاة ولذاذة الانفراد بالخلوة، فأطلع سبحانه عليه لأنه يعلم السر وأخفى، فكأنه قيل : كما ذلك الندا ؟ فقيل :﴿قال رب﴾ بحذف الأداة للدلالة على غاية القرب ﴿إني وهن﴾ أي ضعف جداً ﴿العظم مني﴾ أي هذا الجنس الذي هو أقوى ما في بدني، وهو أصل بنائه، فكيف بغيره! ولو جمع لأوهم أنه وهن مجموع عظامه لا جميعها ﴿واشتعل الرأس﴾ أي شعره مني ﴿شيباً ولم أكن﴾ فيما مضى قط مع صغر السن ﴿بدعائك﴾ أي بدعائي إياك ﴿رب شقياً *﴾ فأجرِني في هذه المرة أيضاً على عوائد فضلك، فإن المحسن يربي أول إحسانه بآخره وإن كان ما ادعوا به في غاية البعد في العادة، لكنك فعلت مع أبي إبراهيم عليه السلام مثله، فهو دعاء شكر واستعطاف ؛ ثم عطف على " إني وهن " قوله :﴿وإني خفت الموالي﴾ أي فعل الأقارب أن يسيئوا الخلافة ﴿من وراءي﴾ أي في بعض الزمان الذي بعد موتي ﴿وكانت امرأتي عاقراً﴾ لا تلد أصلاً - بما دل عليه فعل الكون ﴿فهب لي﴾ أي فتسبب - عن شيخوختي وضعفي وتعويدك لي بالإجابة، وخوفي من سوء خلافة أقاربي، ويأسي عن الولد عادة بعقم امرأتي، وبلوغي من الكبر حداً لاحراك بي معه - إني أقول لك يا قادراً على كل شيء : هب لي ﴿من لدنك﴾ أي من الأمور المستبطنة المستغربة التي عندك، لم تجرها على مناهج العادات والأسباب المطردات، لا من جهة سبب أعرفه، فإن أسباب ذلك عندي معدومة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥١٩