ولما كان ذلك أعظم الخوارق، نبه عليه بالنون في قوله، عطفاً على ما قدرته مما أفهمه السياق :﴿ولنجعله﴾ بما لنا من العظمة ﴿ءاية للناس﴾ أي علامة على كمال قدرتنا على البعث أدل من الآية في يحيى عليه السلام، وبه تمام القسمة الراعية في خلق البشر، فإنهه أوجده من أنثى بلا ذكر، وحواء من ذكر بلا أنثى وآدم عليه السلام لا من ذكر ولا أنثى، وبقية أولاده من ذكر وأنثى معاً ﴿ورحمة منا﴾ لمن آمن به في أول زمانه، ولأكثر الخلق بالإيمان والإنجاء من المحن في آخر زمانه، لا كآية صالح عليه السلام لأنها كانت آية استئصال لأهل الضلال ﴿وكان﴾ ذلك كله ﴿أمراً مقضياً *﴾ أي محكوماً به مبتوتاً هو في غاية السهولة لا مانع منه أصلاً، ونبه على سرعة تسبيب الحمل عن هذا القول وإن كان التقدير بما أرشد إليه في غير هذه السورة : فنفخ في درعها فوصل النفخ إلى جوفها ﴿فحملته﴾ وعقب بالحمل قوله :﴿فانتبذت به﴾ أي فاعتزلت - وهو في بطنها - حالة ﴿مكاناً قصياً *﴾ أي بعيداً من أهلها أو من المكان الشرقي، وأشار إلى قرب الولادة من الحمل بفاء التعقيب في قوله :﴿فأجاءها﴾ أي فأتى بها وألجأها ﴿المخاض﴾ وهو تحرك الولد في بطنها للولادة ﴿إلى جذع النخلة﴾ وهو ما برز منها من الأرض ولم يبلغ الأغصان، وكان تعريفها لأنه لم يكن في تلك البلاد الباردة غيرها، فكانت كالعلم لما فيها من العجب، لأن النخل من أقل الأشجار صبراً على البرد، ولعلها ألجئت إليها دون غيرها من الأشجار على كثرتها لمناسبة حال النخلة
٥٢٨
لها، لأنها لا تحمل إلا بإلقاح من ذكور النخل، فحملها بمجرد هزها أنسب شيء لإتيانها بولد من غير والدن فكيف إذا كان ذلك في غير وقته! فكيف إذا كانت يابسة! مع ما لها فيها من المنافع بالاستناد إليها والاعتماد عليها، وكون رطبها خرسة للنفساء وغاية في نفعها وغير ذلك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٢٦