ولما كان المقصود التهويل لصرف فكرها عما دهمها من الهم جعله قاصراً فكأنها قالت : ما أهز ؟ إذ لم يكن في الجذع ما يتوقع نفعه بهزه، فقال مصرحاً بالمهموز :﴿بجدع النخلة﴾ التي أنت تحتها مع يبسها وكون الوقت ليس وقت حملها فكأنها قالت : ولم ذاك ؛ فقال :﴿تساقط عليك﴾ من أعلاها ﴿رطباً جنياً *﴾ طرياً آية أخرى عظيمة تطيب النفس وتذهب بالحزن، وتدل على البراءة، والتعبير بصيغة التفاعل في قراءة لاجماعة وحمزة للدلالة علىأن التمر يسقط منها، ومن حقه أن يكون منتفياً لأنها غير متأهلة لذلك، فهو ظاهر في أنه على وجه خارق للعادة، وقراءة الجماعة بالإدغام تشير مع ذلك إلى أنه مع شدته يكاد أن يخفي كونه منها ليبسها وعدم إقنائها، وقراءة حمزة بالفتح والتخفيف تشير إلى سهولة تساقطه وكثرته، وقراءة حفص عن عاصم بالضم وكسر القاف من فاعل، تدل على الكثرة وأنه ظاهر في كونهه من فعلها.
٥٢٩
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٢٦
ولما كان من المعلوم أنها هزت فتساقط الرطب، سبب عنه قوله :﴿فكلي﴾ أي فتسبب عن الإنعام عليك بالماء والرطب أن يقال لك تمكيناً من كل منهما كلي من الرطب ﴿واشربي﴾ من ماء السرى ﴿وقري﴾ أي استقري ﴿عيناً﴾ بالنوم، فإن المهموم لاينام، والعين لا تستقر ما دامت يقظي، وعن الأصمعي أن المعنى : ولتبرد دمعتك، لأن دمعة الفرح باردة ودمعة الحزن حارة، واشتقاق " قري " من القرور، وهو الماء البارد - انتهى.
وقال الإمام أبو عبد الله القزاز في ديوانه : وحكى الفراء أن قريشاً ومن حولهم يقولون : قررت به عيناً - أي بكسر العين - أقر، وأن أسداً وقيساً وتميماً يقولون : قررت به عيناً - أي بالفتح - أقر، قال - يعني الفراء : فمن قال : قررت - أي بالكسر-قرأ، وقرى عيناً - أي بالفتح، وهي القراءة المعروفة، ومن قال : قررت، - أي بالفتح قراً وقري عيناً - بكسر القاف أي وهي الشاذة، قال - أي القزاز : هي لغة كل من لقيت من أهل نجد، والمصدر قرة وقرور.