كلامه لا يقبل الدفع، وأما أنا فأنزه نفسي عن مجادلة السفهاء فلا أكلم إلا الملائكة أو الخالق بالتسبيح والتقديس وسائر أنواع الذكر، قالوا : ومن أذل الناس سفيهاً لم يجد مسافهاً، ومن الدلالة عليه بالصمت عن كلام الناس مع ما تقدم الإشارة إلى أنه ردع مجرد ﴿فأتت﴾ أي فلما سمعت هذا الكلام اشتد قلبها، وزال حزنها، وأتت ﴿به﴾ أي بعيسى ﴿قومها﴾ وإن كان فيهم قوة المحاولة لكل ما يريدونه إتيان البريء الموقن بأن الله معه ﴿تحمله﴾ غير مبالية بأحد ولا مستخفية فكأنه قيل : فما قالوا لها ؟ فقيل :﴿قالوا يا مريم﴾ ما هذا ؟ مؤكدين لأن حالها في إتيانها يقتضي إنكار كلامهم ﴿لقد جئت﴾ بما نراه ﴿شيئاً فرياً *﴾ قطعياً منكراً ﴿يأخت هارون﴾ في زهده وورعه وعفته وهو صالح كان في زمانها أو أخو موسى عليه السلام ﴿ما كان أبوك﴾ أي عمران ساعة من الدهر ﴿امرأ سوء﴾ لنقول : نزعك عرق منه ﴿وما كانت أمك﴾ في وقت من الأوقات ﴿بغياً *﴾ أي ذات بغي أي عمد لتتأسى بها ﴿فأشارت﴾ امتثالاً لما أمرت به ﴿إليه﴾ أي عيسى ليكلموه فيجيب عنها ﴿قالوا كيف نكلم﴾ يا مريم ﴿من كان في المهد﴾ أي قبيل إشارتك ﴿صبياً *﴾ لم يبلغ سن هذا الكلام، الذي لا يقوله إلا الأكابر العقلاء بل الأنبياء والتعبير بـ " كان " يدل على أنه حين الإشارة إليه لم يحوجهم إلى أن يكلموه، بل حين سمع المحاورة وتمت الإشارة بدا منه قوله خارق لعادة الرضعاء والصبيان، ويمكن أن تكون تامة مشيرة إلى تمكنه في حال ما دون سن الكلام، ونصب ﴿صبياً﴾ على الحال، فلما كانت هذه العبارة مؤذنة بذلك استأنف قوله :﴿قال﴾ أي وصفاً نفسه بما ينافي أوصاف الأخابث، مؤكداً لإنكارهم أمره فقال :﴿إني عبد الله﴾ أي الملك الأعظم الذي له صفات اكمال لا أتعبد لغيره، إشارة إلى الاعتقاد الصحيح فيه، وأنه لا يستعبده شيطان ولا هوى ﴿ءاتاني الكتب﴾ أي التوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الصحف على صغر سني ﴿وجعلني﴾ أي في علمه ﴿نبياً *﴾ ينبئ بما