ولما كان لسان الحال ناطقاً عن عيسى عليه الصلاة والسلام بأن يقول : وقد قضاني الله فكنت كما أراد، فأنا عبد الله وروسوله فاعتقدوا ذلك ولا تعتقدوا سواه من الأباطيل، عطف عليه في قراءة الحرميين وأبي عمرو قوله :﴿وإن الله﴾ أي الذي له ذلك ﴿فاعبدوه﴾ وحده لتفرده بالإحسان كما أعبده، وقراءة الباقين بالكسر على أنه مقول عيسى عليه السلام الماضي، ويكون اعتراض ما تقدم من كلام الله بينهما للتأكيد والاهتمام.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٣٢
ولما كان اشتراك الخلائق في عبادة الخالق بعمل القلب والجوارح علماً وعملاً أعدل الأشياء، أشارإلى ذلك بقوله :﴿هذا﴾ أي الذي أمرتكم به ﴿صراط مستقيم *﴾ لأنا بذلنا الحق لأهله بالاعتقاد الحق والعمل الصالح، ولم يتفضل أحد منا فيه على صاحبه.
ولما كان المنهج القويم بحيث يكون سبباً للاجتماع عند كل صحيح المزاج، عجب منهم في استثمارغير ذلك منه فقال :﴿فاختلف﴾ أي فتسبب عن هذا السبب للاجتماع أنه اختلف ﴿الأحزاب﴾ الكثيرون.
ولما كان الاختلاف لم يعم جميع المسائل التي في شرعهم قال :﴿من بينهم﴾ أي بني إسرائيل المخاطبين بذلك خاصة لم تكن فيهم فرقة من غيرهم في هذه المقالة القويمة التي لا تنبغي لمن له أدنى مسكة أن يتوقف في قبولها، فمنهم من أعلم أنها الحق فاتبعها ولم يحد عن صوابها، ومنهم من أبعد في الضلال عنها بشبه لا شيءأو هي منها ؛ روي عن قتادة أنه اجتمع من أحبار بني إسرائيل أربعة : يعقوب ونسطوروملكا وإسرائيل، فقال يعقوب : عيسى هو الله نزل إلى الأرض فكذبه الثلاثة واتبعه اليعقوبية، وقال نسطور : عيسى ابن الله فكذبه الاثنان واتبعه
٥٣٣