ولما كان العاقل أقوى من غيره، صرح به بعد دخوله فقال :﴿ومن عليها﴾ أي من العقلاء، بأن نسلبهم جميع ما في أيديهم ﴿وإلينا﴾ لا إلى غيرنا من الدنيا وجبابرتها إلى غير ذلك ﴿يرجعون *﴾ معنى في الدنيا وحساً بعد الموت.
ولما ذم الضالين في أمر المسيح، وعلق تهديدهم بوصف دخل فيه مشركو العرب، فأنذرهم بصريح تكذيبهم بالبعث، وغيرهم بأنهم لسوء أعمالهم كالمكذبين به، وختم ذلك بأنه الوارث وأن الرجوع إليه، ودخل في ذلك الإرث بغلبة أنبيائه وأتباعهم على أكثر أهل الأرض برجوع أهل الأديان الباطلة إليهم حتى يعم ذلك جميع أهل الأرض في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام، وكان إبراهيم عليه السلام لكثرة أولاده من العرب والروم وأهل الكتابين وراثاً لأكثر الأرض، وكان مثل زكريا في هبة الولد على
٥٣٥
كبر سنه وعقم زوجه، أتبع ذلك قوله :﴿إبراهيم﴾ أعظم آبائكم الذي نهى أباه عن المشرك يا من يكفرون تقليداً للآباء! ثم علل تشريفه بذكر له على سبيل التأكيد المعنوي بالاعتراض بين البدل والمبدل منه، واللفظي بـ " إن " بقوله منبهاً على أن مخالفتهم له بالشرك والاستقسام بالأزلام ونحو ذلك تكذيب بأوصافه الحسنة :﴿إنه كان﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿صديقاً﴾ أي بليغ الصدق في نفسه في أقواله وأفعاله، والتصديق بكل ما يأتيه مما هو أهل لأنه مجبول على ذلك ولا يكون كذلك إلا وهو عامل به حق العمل فهو أبلغ من المخلص ﴿نبياً *﴾ أي يخبره الله بالأخبار العظيمة جداً التي يرتفع بها في الدارين وهو أعظم الأنبياء بعد محمد - على جميعهم أفضل الصلاة والسلام كما رواه الحافظ أبو البزار ببسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه وأكده وكذا أكد فيما بعده من الأنبياء عليهم السلام وإن كانوا مقرين بنبواتهم تنزيلاً لهم منزلة المنكر، لجريهم في إنكارهم نبوة البشر على غير مقتضى عليهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٣٤


الصفحة التالية
Icon