ولما تكفل ما تقدم من هذه السورة بنفي الشريك بقيد كونه ولداً، أتبع ذلك من قصته ما ينفي الشريك ليفتدي به أولاده في ذلك إذ كانوا يقلدون الآباء وليس في آبائهم مثله، فقال مبدلاً من ﴿إبراهيم﴾ ﴿إذ قال﴾ أي اذكر وقت قوله ﴿لأبيه﴾ هادياً له من تيه الضلال بعبادة الأصنام مستعطفاً له في كل جملة بقوله :﴿يا أبت﴾.
ولما كان العاقل لا يفعل فعلاً إلا لثمر، نبهه على عقم فعله بقوله :﴿لم تعبد﴾ مريداً بالاستفهام المجاملة، واللطف والرفق واللين والأدب الجميل في نصحه له كاشفاً الأمر غاية الكشف بقوله :﴿ما لا يسمع ولا يبصر﴾ أي ليس عنده قابلية لشيء من هذين الوصفين ليرى ما أنت فيه من خدمته أو يجيبك إذا ناديته حالاً أو مآلاً.
و لما كان
٥٣٦
ولما الأعمى الأصم قد ينفع بكلام أو غيره، قال :﴿ولا يغني عنك شيئاً *﴾ من الإغناء.
ولما نبه على أن ما يعبده لا يستحق العبادة، بل لا تجوز عبادته، لنقصه مطلقاً ثم نقصه عن عابده، ولن يكون المعبود دون العابد أصلاً، وكان أقل ما يصل إليه بذلك مقام الحيرة، نبهه على أنه أهل للهداية، فقال مكرراً لوصفه المذكور بالعطف والود :﴿يأبت﴾ وأكد علماً منه أنه ينكر أن يكون ابنه أعرف منه بشيء فقال :﴿إني قد جاءني﴾ من المعبود الحق ﴿مت العلم ما لم يأتك﴾ منه ﴿فاتبعني﴾ أي فتسبب عن ذلك أني أقول لك وجوباً على النهي عن المنكر ونصيحة لما لك علي من الحق : اجتهد في تبعي ﴿أهدك صراطاً سوياً *﴾ لا عوج فيه، كما أني لو كنت معك في طريق محسوس وأخبرتك أن أمامنا مهالك لا ينجو منها أحد، وأمرتك أن تسلك مكاناً غير ذلك، لأطعتني، لو عصيتني فيه عدك كل أحد غاوياً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٣٦


الصفحة التالية
Icon