ولما بين أنه لا نفع فيما بعده، ونبهه على الوصف المقتضي لوجوب الاقتداء به، بين له ما في عبادة معبوده من الضر فقال :﴿يا أبت لا تعبد الشيطان﴾ فإن الأصنام ليس لها دعوة أصلاً، والله تعالى قد حرم عبادة غيره مطلقاً على لسان كل ولي له، فتعين أن يكون الآمر بذلك الشيطان، فكان هو المعبود بعبادتها في الحقيقة ؛ ثم علل هذا النهي فقال :﴿إن الشيطان﴾ البعيد من كل خير المحترق باللعنة، وذكر الوصف الموجب للإملاء للعاصي فقال :﴿كان للرحمن﴾ المنعم بجنيع النعم القادر على سلبها، ولم يقل : للجبار - لئلا يتوهم أنه ما أملى لعاصيه مع جبروته إلا للعجز عنه ﴿عصياً *﴾ بالقوة من حين خلق، وبالفعل من حين أمره بالسجود لأبيك آدم فأبى فهو عدو لله وله، والمطيع للعاصي لشيء عاص لذلك الشيء، لأن صديق العدو عدو.
فلما بين له أنه بذلك عاص للمنعم، خوفه من إزالته لنعمته فقال :﴿يا أبت إني أخاف﴾ لمحبتي لك وغيرتي عليك ﴿أن يمسك عذاب﴾ أي عذاب كائن ﴿من الرحمن﴾ أي الذي هو ولي كل من يتولاه لعصيانك إياه ﴿فتكون﴾ أي فتسبب عن ذلك أن تكون ﴿للشيطان﴾ وحده وهو عدوك المعروف العداوة ﴿ولياً *﴾ فلا يكون لك نصرة أصلاً، مع ما يوصف به من السخافة باتباع العدو الدني، واجتناب الولي العلي.
فلما وصل إلى هذا الحد من البيان، كان كأنه قيل : ماذا كان جوابه ؟ فقيل :﴿قال﴾ مقابلاً لذلك الأدب العظيم والحكمة البالغة الناشئة عن لطافة العلم بغاية الفظاظة الباعث كثافة الجهل، منكراً عليه في جميع ما قال بإنكار ما بعثه عليه من تحقير آلهته :﴿أراغب﴾ قدم الخبر لشدة عنايته والتعجب من تلك الرغبة والإنكار لها، إشارة إلى أنه لا يفعلها أحد ؛ ثم صرح له بالمواجهة بالغلظة فقال :﴿أنت﴾ وقال :﴿عن ءالهتي﴾
٥٣٧
بإضافتها إلى نفسه فقط، إشارة إلى مبالغته في تعظيمها ؛ والرغبة عن الشيء : تركه عمداً.