أغرب مما أمر اليهود بالتعنت فيه، وإشارة إلى أن الله تعالى يؤتي أتباعه من علوم إدريس الأرضية والسماوية مما يستحق أن يحفظ بالخط ويودع بطون الكتب لضيق الصدور عن حفظه ما لم يؤته أمة من الأمم، وأنه يجمع شملهم، وترهيباً للمتعنتين بأنهم إن لم ينتهوا وضع فيهم السلاح كما فعل إدريس عليه السلام بكفار زمانه فقال :﴿واذكر في الكتاب﴾ أي الجامع لكل ما يحتاج إليه من القصص المتقدمين والمتأخرين ﴿إدريس﴾ أي الذي هو أبعد ممن تعنت بهم اليهود زماناً، وأخفى منهم شأناً، وهو جد أبي نوح عليه السلام واسمه حنوخ بمهملة ونون وآخره معجمة ﴿إنه كان صديقاً﴾ أي صادقاً في أقواله وأفعاله، ومصدقاً بما أتاه عن الله من آياته على ألسنة الملائكة ﴿نبياً *﴾ ينبئه الله تعالى بما يوحيه إليه من الأمر العظيم، رفعة لقدره، فينبئ به الناس الذين أرسل إليهم ﴿ورفعناه﴾ جزاء منا له على تقواه وإحسانه، رفعة تليق بعظمتنا، فأحللناه ﴿مكاناً علياً *﴾ أي الجنة أو السماء الرابعة، وهي التي رآه النبي ﷺ بها ليلة الإسراء ؛ قال ابن قتيبة في المعارف : وفي التوراة أن أخنوخ أحسن قدام الله فرفعه إليه - انتهى.
وفي نسخة ترجمه التوراة وهي قديمة جداً وقابلتها مع بعض فضلاء الربانيين من اليهود وعلى ترجمة سعيد الفيومي بالمعنى وكان هو القارئ ما نصه : وكانت جميع حياة حنوخ ثلاثمائة وخمساً وستين سنة، فأرضى حنوخ الله ففقد لأن الله غيبه، وفي نسخة أخرى : لأن الله قبله، وفي أخرى : لأن الله أخذه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٤١