ويجوز أن يقال في التعبير بصيغة فعيل أنه لا يتمكن العبد من الغيبة عن السيد بغير إذنه إلا أن كان بحيث يمكن أن يغفل وأن تطول غفلته وتعظم لكونه مجبولاً عليها، أو أنه لما استلبث الوحي في أمر الأسئلة التي سألوا عنها من الروح وما معها خمس عشرة ليلة أو أكثر أو أقل - على اختلاف الروايات، فكان ذلك موهماً للأغبياء أنه نسيان، وكان مثل ذلك لا يفعله إلا كثير النسيان، نفى هذا الوهم بما اقتضاه من الصيغة ونفى قليل ذلك وكثيرة في السورة التي بعدها ضماً لدليل العقل بقوله ﴿ا يضل ربي ولا ينسى﴾ [طه : ٥٢] لما اقتضاه السياقن فأتى في كل أسلوب بما يناسبه مع الوفاء بما يجب من حق الاعتقاد، وهذه الآية مع ﴿وبالحق أنزلناه﴾ و﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن﴾ [الإسراء : ٨٨] مثل ﴿قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات﴾ [ هود : ٣] - الآيتين في سورة هود عليه السلام، على ما قدمت في بيانه غير أن ما جمع هناك فصل هنا في أول الجواب على أسئلتهم بآية ﴿قل لئن اجتمعت﴾ وأثنائه بآية ﴿وبالحق أنزلناه﴾ وآخره بهذه الآية، لتكون الآيات رابطة على هذه الأجوبة وتوابعها وضابطة لها كالشهب والحرس الشديد بالنسبة إلى السماء، فلا يبغيها متعنت من جهة من جهاتها كيداً إلا رد خاسئاً، ولا يرميها بقادح ألا كان رميه خاطئاً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٤٦
ولما وصف سبحانه وتعالى بنفوذ الأمر واتسلاع العلم على وجه ثبت به ما أخبر به
٥٤٩