ولما كان الجواب : علموا أن مكانهم شر الأماكن، وأن جندهم أضعف الجنود، عبر عنه بقوله تهديداً :﴿فسيعلمون﴾ إذا رأوا ذلك ﴿من هو شر مكاناً﴾ أي من جهة المكان الذي قوبل به المقام ﴿وأضعف جنداً *﴾ هم أو المؤمنون، أي أضعف من جهة الجند الذي أشير به إلى النديّ، لأن القصد من فيه، وكأنه عبر بالجند لأن قصدهم المغالبة وما كل من في النديّ يكون مقاتلاً.
ولما كان هذا لكونه استدراجاً زيادة في الضلال، قابله بقوله، عطفاً على ما تقدم تقديره تسبيباً عن قوله ﴿فليمدد﴾ وهو : فيزيده ضلالاً، أو على موضع ﴿فليمدد﴾ :﴿ويزيد الله﴾ وعبر بالاسم العلم إشارة إلى التجلي لهم بجميع الصفات العلى ليعرفوه حق معرفته ﴿الذين اهتدوا هدى﴾ عوض ما زوى عنهم ومنعهم من الدنيا لكرامتهم عنده مما بسطه للضلال لهوانه عليه ؛ فالآية من الاحتباك : ذكر السعة بالمد للضال أولاً دليلاً على حذف الضيق بالمنع للمهتدي ثانياً، وزيادة الهداية ثانياً دليلاً على حذف زيادة الضلال أولاً، وأشار إلى أنه مثل ما خذل أولئك بالنوال، وفق هؤلاء لمحاسن الأعمال، بإقلال الأموال فقال :﴿والباقيات﴾ ثم وصفها احترازاً من أفعال أهل الضلال بقوله :﴿الصالحات﴾ أي من الطاعات والمعارف التي شرحت لها الصدور، فأنارت بها القلوب، وسلمت من إحباط الذنوب، فأوصلت إلى علام الغيوب ﴿خير عند ربك﴾ مما متع به الكفرة ومدوا به - على تقدير التنزل إلى تسميته خيراً، وإضافة الرب إليه ﷺ إشارة إلى أنه يربيها تربية تبلغ أقصى ما يرضيه في كل تابعيه ؛ ثم بين جهة خيرية هذا بقوله :﴿ثواباً﴾ أي من جهة الثواب ﴿وخير مرداً *﴾ أي من جهة العاقبة يوم الحسرة وهو كالذي قبله، او على قولهم : الصيف أحر من الشتاء بمعنى أنه في حره أبلغ منه في برده.
فالكفرة يردون إلى خسارة وفناء، والمؤمنون إلى ربح وبقاء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٥٢
٥٥٤


الصفحة التالية
Icon