ولما كان النفي هنا عن الواحد مفهماً للنفي عما فوقه اكتفى به، ولما رد ذلك استأنف الجواب لسؤال من كأنه قال : فماذا يكون له ؟ بقوله مثبتاً السين للتوكيد في هذا التهديد :﴿سنكتب ما يقول﴾ أي نحفظه عليه حفظ من يكتبه لنوبخه به ونعذبه عليه بعد الموت فيظهر له بعد طول الزمان أن ما كان فيه ضلال يؤدي إلى الهلاك لا محالة، ويجوز أن تكون السين على بابها من المهلة، وكذا الكتابة، والإعلام بذلك للحث على التوبة قبل الكتابة، وذلك من عموم الرحمة ﴿ونمد له من العذاب مداً *﴾ باستدراجه بأسبابه من كثرة النعم من الأموال والأولاد المحببة له في الدنيا، المعذبة له فيها، بالكدح في جمعها والمخاصمة عليها الموجبة له التمادي في الكفر الموجب لعذاب الآخرة، وإتيان بعضه في إثر بعض ﴿إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون﴾ [التوبة : ٨٥] ﴿ونرثه﴾ بموته عن جميع ذلك ؛ ثم أبدل من ضميره قوله :﴿ما يقول﴾ أي من المال والولد فنحول بينه وبينهم بعد البعث كما فعلنا
٥٥٥
بالموت كحيلولة الوارث بين الموروث وبين الموروث عنه ﴿ويأتينا﴾ في القيامة ﴿فرداً *﴾ مسكيناً منعزلاً عن كل شيء لا قدرة له على مال ولا ولد، قلا عز له، ولا قوة بشيء منهما ؛ روى البخاري في التفسير عن خباب رضي الله عنه قال : كنت قيناً بمكة فعملت للعاص بن وائل السهمي سيفاً، فجئت أتقاضاه فقال : لا أعطيك حتى تكفر بمحمد، قلت : لا أكفر بمحمد حتى يميتك الله ثم يحييك، وفي رواية : حتى تموت ثم تبعث، قال : وإني لمبعوث من بعد الموت ؟ قلت : نعم! قال : فذرني حتى أموت ثم أبعث فسوف أوتى مالاً وولداً فأقضيك، فنزلت هذه الآية ﴿أفرأيت الذي - إلى قوله : فرداً﴾.


الصفحة التالية
Icon