ولما كان الأصل : فأنتمن عدل به إلى صيغة تدل على تعظيمه بالالتفات إلى خطاب من بحضرته من أهل قربه وملائكته، لأن العامل يجب أن يكون له بعمله لسان صدق في الخلائق فكيف إذا كان من الخالق، وبالإشارة إليه بأداة البعد إعلامكاً بعلو رتبته، وأن المخاطب بالإيتاء كثير، والعامل قليل وجليل، فقال :﴿فأؤلئك﴾ ولعل إفراد المخاطب هنا للترغيب في الإيتاء بأنه لا يفهم ما لأهله حق فهمه سوى المنزل عليه هذا الوحي ﷺ ﴿هم﴾ أي خاصة ﴿المضعفون*﴾ أي الذين ضاعفوا أموالهم في الدنيا بسبب ذلك الحفظ والبركة، وفي الآخرة بكثرة الثواب عند الله من عشرة أمثال إلى ما لا حصر له كما يقال : مقو وموسر ومسمن معطش - لمن له قوة ويسار وسمن في إبله وعطش ونحو ذلك.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٦٢٦
ولما وضح بهذا أنه لا زيادة إلا فما يزيده الله، ولا خير إلا فيما يختاره الله، فكان ذلك مزهداً في زيادة الاعتناء بطلب الدنيا، بين ذلك بطريق لا أوضح منه فقال :﴿الله﴾ أي بعظيم جلاله لا غيره ﴿الذي خلقكم﴾ أي أوجدكم على ما أنتم عليه من التقدير لا تملكون شيئاً.
ولما كان الرزق موزعاً بين الناس بل هو ضيق على كثرته عن كثير منهم، فكان رزق من تجدد - لا سيما إن كان ابناً لفقير - مستبعداً، أشار إليه بأداة البعد فقال :﴿ثم رزقكم﴾ ولما كانت إماتة المتمكن من بدنه وعقله وقوته وأسباب نبله عجيبة، نبه عليها بقوله :﴿ثم يميتكم﴾ ولما كان كل ذلك في الحقيقة عليه هيناً، وكتن الإحياء بعد الإماتة إن لم يكن أهون من الأحياء أول مرة كان مثله وإن استبعدوه قال :﴿ثم يحييكم﴾.