وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير في برهانه : لما تقدم قوله سبحانه ﴿لا تمدن عينيك - إلى قوله - فستعلمون من اصحاب الصراط السوي ومن اهتدى﴾ [ طه : ١٣١] قال تعالى ﴿اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون﴾ أي لا تمدن عينيك إلى ذلك فإني جعلته فتنة لمن ناله بغير حق، ونسأل عن قليل ذلك وكثيره ﴿لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ لنَّعِيمِ﴾ [التكاثر : ٨] والأمر قريب ﴿اقترب الناس حسابهم﴾ وأيضاً فإنه تعالى لما قال ﴿تنذر به قوما لدا﴾ وهم شديدو الخصومة في الباطل، ثم قال ﴿وكم أهلكنا قبلهم من قرن﴾ [مريم : ٧٤] إلى آخرها، استدعت هذه الجملة بسط حال، فابتدئت بتأنيسه عليه الصلاة السلام وتسليتة، حتى لا يشق عليه لددهم، فتضمنت سورة طه من هذا الغرض بشارته بقوله ﴿ما أنزلنا عليك القرآن اتشقى﴾ [طه : ٢] وتأنيسه بقصة موسى عليه السلام وما كان من حا ل بني إسرائيل وانتهاء أمر فرعون ومكابدة موسى عليه السلام لرد فرعون ومرتكبه إلى أن وقصه الله، وأهلكه، وأورث عباده أرضهم وديارهم، ثم اتبعت بقصة آدم عليه السلام ليرى نبيه ﷺ سنته في عباده حتى أن آدم عليه السلام وإن لم يكن امتحانه بذريته ولا مكابدته من أبناء جنسه - فقد كابد من إبليس ما قصه الله في كتابه، وكل هذا تأنيس للنبي ﷺ، فإنه إذا تقرر لديه أنه سنة الله تعالى في عبادة هان عليه لدد قريش ومكابدتهم، ثم ابتدئت سورة الأنبياء ببقية هذا التأنيس، فبين اقتراب الحساب ووقوع يوم الفصل المحمود فيه ثمرة ما كوبد في ذات الله والمتمنى فيه أن لو كان ذلك أكثر والمشقة أصعب لجليل الثمرة وجميل الجزاء، ثم اتبع ذلك سبحانه بعظات، ودلائل وبسط آيات، وأعلم أنه سبحانه قد سبقت سنته بإهلاك من لم يكن منه الإيمان من متقدمي القرون وسالفي الأمم ﴿ما ءامنت قبلهم من قرية أهلكناها﴾ [الأنبياء : ٦] وفي قوله ﴿أفهم يومنون﴾ [الأنبياء : ٦] تعزية لرسول الله صلى الله عليه وسلم
٦٤