ولما ذكر ما يظهرونه في حال الاستماع من اللهو واللعب، ذكر ما يخفونه من التشارو في الصد عنه وإعمال الحيلة في التنفير منه والتوثق من بعضهم لبعض في الثبات على المجانية له فقال عاطفاً على ﴿استمعوا﴾ :﴿وأسروا﴾ أى الناس المحدث عنهم ﴿النجوى﴾ أي بالغوا في إسرار كلامهم بسبب الذكر، لأن المناجاة في اللغة السر - كذا في القاموس، وقال الإمام أبو عبد الله القزاز في ديوانه : والنجوى : الكلام بين اثنين كالسر والتشاور.
ولما أخبر بسوء ضمائرهم، أبد من ضميرهم ما دل على العلة الحاملة لهم على
٦٥
ذلك فقال :﴿الذين ظلموا﴾ ثم بين ما تناجوا به فقال :﴿هل﴾ أي فقالوا في تناجيهم هذا، معجبين من ادعائه من ادعائه النبوة مع مماثلته لهم في البشرية : هل ﴿هذا﴾ الذي أتاكم بهذا الذكر ﴿إلا بشر مثلكم﴾ أي خلقه وأخلاقه من الأكل والشب والحياة والموت، فكيف يختص عنكم بالرسالة ؟ ما هذا الذي جاءكم به مما لا تقدرون على مثله إلا سحر لا حقيقة له، فحينئذ تسبب عن هذا الإنكار في قولهم :﴿أفتأتون السحر وأنتم﴾ أي والحال أنكم ﴿تبصرون*﴾ بأعينكم أنه بشر مثلكم، وببصائركم أن هذه الخوارق التي يأتي بها يمكن أن تكون سحراً، فيا لله العجب من قوم رأوا ما أعجزهم فم يجزوا أن يكون عن الرحمن الداعي إلى الفوز بالجنان وجزموا بأنه من الشيطان الداعي إلى الهوان، باصطلاء النيران، والعجب أيضاً أنهم أمكروا الاختصاص بالرسالة مع مشاهدتهم لما يخص الله به بعض الناس عن بعض الذكاء والفطنة، وحسن الخلائق والأخلاق، والقوة والصحة، وطول العمر وسعة الرزق - ونحو ذلك من القيافة والعيافة والرجز والكهانة، ويأتون أصحابها لسؤالهم هما عندهم من ذلك من العلم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٦٣


الصفحة التالية
Icon