ولما كان هذا مما ينبغي أن تنزه الحضرة القدوسية عنه وعن مجرد ذكره ولو على سبيل الفرض، أشار إلى ذلك بأداة شرط أخرى فقال :﴿إنا كنا فاعلين*﴾ أي له، ولكنه لا يليق بجنابنا فلم نفعله ولا نكون فاعلين له ﴿بل﴾ وإشعار لهذا المعنى بالقذف والدمغ تصويراً للحق بجعل الحق كأنه جرم صلب كالصخرة قذف بها على جرم رخو أجوف فقال :﴿نقذف﴾ أي إنما شأننا أن نرمي رمياً شديدأ ﴿بالحق﴾ الذي وهذا الذكر الحكيم الذي أنزلناه جدالً كله وثباتاً جميعه لا لهو فيه ولا باطل، ولا هو مقارب لشيء منهما، ولا تقدرون أن تتخذوا شيءاً منه لهواً اتخاذاً يطابقكم عليه منصف، فنحن نقذف به ﴿على الباطل﴾ الذي أحدثتموه من غير أنفسكم ﴿فيدمغه﴾ أى فيمحقه محق المكسور الدماغ ﴿فإذا هو﴾ في الحال ﴿زاهق﴾ أي ذاهب الروح أى هلاك ؛ ثم عطف على ما أفادته " إذا " قوله :﴿ولكم﴾ ﴿ولكم﴾ أي وإذا لكم أيها المبطلون ﴿الويل مما تصفون*﴾ أي من وصفكم لكل شيء بما تهوى أنفسكم من غير إذن منا لكم، لأنكم لا تقفون على حقائق الأمور، فإن وصفتم القرآن بشيء مما تقدم ثم عليه ثم قذفنا عليه بما يبين بطلانه، بان
٧٣
لكل عاقل أنه يجب عليكم أن تنادموا الويل بميلكم كل الميل، وإن وصفتم الله أو الدنيا أو غيرهما فكذلك إنما أنتم متعلقون بقشور وظواهر لا يرضاها إلا بعيد عن العقل محجوب عن الإدراك ؛ ثم عطف أيضاً على ما لزم من ذلك القذف قوله :﴿وله من في السموات﴾ أي الأجرام العالية وهي ما تحت العرش، وجمع السماء هنا لا قتضاء تعميم الملك ذلك.
ولما كانت عقولهم لا تدرك تعدد الأراضي، وحد فقال :﴿والأرض﴾ أي ومن فيها، وذلك شامل - على أن التعبير بمن لتغليب العقلاء - للسماوات والأرض، لأن الأرض في السموات، وكل سماء في التي فوقها، والعليا في العرش وهو سبحانه ذو العرش العظيم - كما سيأتي قريباً، فدل ذلك دلالة عقلية على أنه مالك الكل وملكه.