ولما كانت معبوداتهم أصناماً أرضية من حجارة ونحوها قال :﴿من أرض﴾ أى التي هم مشاهدون لأنها وكل ما فيها طوع مشيئته ﴿هم﴾ أي خاصة ﴿ينشرون*﴾ أي يحيون شيئاً مما فيها من الأجسام النامية حتى يستحقوا بذلك صفة الإلهية، وإفادة السياق الحصر تفيد أنه لو وقع الإنشاء لأحد على وجه يجوّز مشاركة غيره له لم يستحق العبادة، وفي هذا الاستفهام تهكم بهم بالإشارة إلى أنهم عبدوا ما هو من أدنى ما في الأرض مع أنه ليس في الأرض ما يستحق أن يعبد، لأن الإنسان أشرف ما فيها، ولا يخفى ما له من الحاجة المعبدة من تلك الرتبة الشماء.
ولما كان الجواب قطعاً : لم يتخذوا آلهة بهذا الوصف، ولا شيء غيره سبحانه يستحق وصف الإلهية، أقام البرهان القطعي على صحة نفي إله غيره ببرهان التمانع، وهو أشد برهان لأهل الكلام فقال :﴿لو كان فيهما﴾ أي السموات والأرض، أي في تدبيرهما.
ولما كان الأصل فيما بعد كل من " إلا " و" غير " أن يكون من جنس ما قبلهما وإن كان مغيراً له في العين، صح وضع كل منهما موضع الآخر، واختير هنا التعبير بأداة الاستثناء والمعنى للصفة إذ هي تابعة لجميعع منكور غير محصور الإفادة إثبات الإلهية له سبحانه مع النفي عما عداه، لأن ﴿لولا﴾ - لما فيها من الامتناع - مفيدة للنفي، فالكلام في قوة أن يقال " ما فيهما " ﴿ءالهة إلا الله﴾ أي مدبرون غير من تفرد بصفات الكمال، ولو كان فيهما آلهة غيره ﴿لفسدتا﴾ لقضاء العادة بالخلاف بين المتكافئين المؤدي إلى ذلك، ولقضاء العقل بإمكان الاختلاف اللازم منه إمكان التمانع اللازم منه إمكان عجز أحدهما اللازم منه أن لا يكون إلهاً لحاجته، وإذا انتفى الجمع، انتفى الاثنانى من باب الأولى، لأن الجمع كلما زاد حارب بعضهم بعضاً فقل الفساد كما نشاهد.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٧٤