ولما أفاد هذا الدليل أنه لا يجوز أن يكون المدبر لها إلا واحداً، وأن ذلك الواحد لا يكون إلا الله قال :﴿فسبحان الله﴾ أي فتسبب عن ذلك تنزه المتصف بصفات الكمال ﴿رب العرش﴾ أي الذي هو نهاية المعلومات من الأجسام، ورب ما دونه من السماوات
٧٥
والأراضي وما فيهما المتفرد بالتدبير، كما يتفرد الملك الجالس على السرير ﴿عما يصفون*﴾ مما يوهم نقصاً ما، ثم علل ذلك بقوله :﴿لا يسأل﴾ أي من سائل ما ﴿عما يفعل﴾ أي لا يعترض عليه لأنه كفوء له في علم ولا حكمة ولا قدرة ولا عظمة ولا غير ذلك، فليس في شيء من أفعاله لإتقانها موضع سؤال، فمهما أراد كان ومهما قال فالحسن الجميل، فلو شاء لعذب أهل سماواته وأهل أرضه، وكان ذلك منه عدلاً حسناً، وهذا مما يتمادح به أولو الهمم العوال، كما قال عامر الخصفي في هاشم بن حرملة بن الأشعر :
أحيا أباه هاشم بن حرملة يوم الهبات ويوم اليعمله ترى الملوك عنده مغربلة يقتل ذا الذنب من لا ذنب له
قال ابن هشام في مقدمة السيرة قبل " أمر البسل " بقليل : أأنشدني أبو عبيدة هذه الأبيات وحدثيني أن هاشماً، ثم قال البيت الثاني فلم يعجبه، ثم قال الثالث فلم يعجبه، فلما قال الرابع " ويقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له " أعجبه فأثابه عليه، ومن أعجب ما رأيت في حكم الأقدمين أن الشهر ستاني قال في الملل : وقد سأل بعض الدهرية أرسطاطاليس فقال : إذا كان لم يزل ولا شيء غيره ثم أحدث العالم فلم أحدثه ؟ فقال :" لِمَ " غير جائز عليه، لأن لم تقتضي علة والعلة محمولة فيما هي علة له من معلّ فوقه ولا علة فوقه، وليس بمركب فتحمل ذاته العلل، فلم عنه منفية.
﴿وهم يسألون*﴾ من كل سائل لما في أفعالهم نم الاختلال بل يمنعون عن أكثر ما يريدون.