ولما قام ا لدليل، ووضح السبيل، واضمحل كل قال وقيل، فانمحقت الأباطيل، قال منبهاً لهم على ذلك :﴿أم﴾ أي رجعوا عن ضلا لهم لما بان لهم غيهم فيه فوحدوا الله أم ﴿اتخذوا﴾ ونبه على كل شيء دونه وأثبت أن آلهتهم بعض من ذلك بإثبات الجار فقال منبهاً لهم مكرراً لما مضى على وجه أعم، طالباً البرهان تلويحاً إلى التهديد :﴿من دونه ءالهة﴾ من السماء أو الأرض وغيرهما.
ولما كان جوابهم : اتخذنا، ولا يرجع أمره بجوابهم فقال :﴿قل هاتوا برهانكم﴾ على ما ادعيتموه من عقل أو نقل كما أثبت أنا ببرهان النقل المؤيج بالعقل.
ولما كان الكريم سبحانه لا يؤاخذ بمخالفة العقل ما لم ينضم إليه دليل النقل، أتبعه قوله مشيراً إلى ما بعث الله به الرسل من الكتب :﴿هذا ذكر﴾ أي موعظة وشرف
٧٦
﴿من معي﴾ ممن آمن بي وقد ثبت أنه كلام الله بعجزكم عن معارضته فانظروا هل تجدون فيه شيئاً يؤيد أمركم ﴿وذكر﴾ أي وهذا ذكر ﴿من قبلي﴾ فاسألوا أهل الكتابين هلى في الكتاب منهما برهان لكم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٧٤
ولما كانوا لا يجدون شبهة لذلك فضلاً اقتضى الحال الإعراض عنهم غضباً، فكان كأنه قيل : لا يجدون لشيء من ذلك برهاناً ﴿بل أكثرهم﴾ لأي هؤلاء المدعوين ﴿لا يعلمون الحق﴾ بل هم جهلة والجهل أصل الشر والفساد، فهم يكفرون تقليداًُ ﴿فهم﴾ أي فتسبب عن جهلهم ما افتتحنا به السورة من أنهم ﴿معرضون*﴾ عن ذكرك وذكر من قبلك غفلة منمهم عما يراد بهم وفعلاً باللعب فعلَ القاصر عن درجة العقل، وبعضهم معاندة مع علمه الحق، وبعضهم يعلم فيفهم - كما أفهمه التقييد بالأكثر.
ولما كان التقدير بياناً لما في الذكرين : ولو أقبلوا على الذكر لعلموا أنا أوحينا إليك في هذا الذكر أنه لا إله ألا أنا، ما أرسلناك إلا لنوحي إليك ذلك، عطف عليه قوله :﴿وما أرسلنا﴾ أي بعظمتنا.


الصفحة التالية
Icon