ولما كان الإرسال بالفعل غير مستغرق للزمان المتقدم لأنه كما أن الرسالة لا يقوم بها كل أحد، فكذلك الإرسال لا يصلح له كل زمن، أثبت الجار فقال :﴿من قبلك﴾ وأعرق في النفي فقال :﴿من رسول﴾ في شيع الأولين ﴿إلا لنوحي إليه﴾ من عندنا ﴿أنه لا إله إلا أنا﴾ ولم يقل : نحن، لئلا يجعلوها وسيلة إلى شبهة، ولذا قال :﴿فاعبدون*﴾ بالإفراد، وترك التصريح بالأمر بالتخصيص بالعبادة لفهمه من المقام والحال، فإنهم كانوا قبل ذلك يعبدونه ولكنهم يشركون تنبيهاً على أن كل عبادة فيها شوب شرك عدم.
ولما دل على نفي مطلق الشريك عقلاً ونقلاً، فانتفى بذلك كل فرد يطلق عليه هذا السم، عجب من ادعائهم الشركة المقيدة بالولد، فقال عاطفاً على قوله ﴿واسروا النجوى﴾ [طه : ٦٢] :﴿وقالوا﴾ قيل : الضمير لخزاعة حيث قالوا : الملائكة بنات الله، وقيل : لليهود حيث قالوا : إنه سبحانه صاهر الجن فكانت منهم الملائكة :﴿اتخذ﴾ أي تكلف كما يتكلف من يكون له ولد ﴿الرحمن﴾ أي الذي كل موجود من فيض نعمته ﴿ولداً﴾.
ولما كان ذلك أعظم الذنب، نزه نفسه سبحانه عنه بمجمع التنزيه فقال :﴿سبحانه﴾ أي تنزه عن أن يكون له ولد، فإن ذلك يقتضي المجانسة بينه وبين الولد،
٧٧
ولا يصح مجانسة النعمة للمنعم الحقيقي ﴿بل﴾ الذي جعلوهم له ولداً وهم الملائكة ﴿عباد﴾ من عباده، أنعم الله عليهم بالإيجاد كما أنعم على غيرهم لا أولا د، فإن العبودية تنافي الولدية ﴿مكرمون*﴾ بالعصمة من الزلل، ولذلك فسر الإكرام بقوله :﴿لا يسبقونه﴾ أي لا يسبقون إذنه ﴿بالقول﴾ أي بقولهم، لأنهم لا يقولون شيئاً لم يأذن لهم فيه ويطلقه لهم.