ولما كان الوزاقف عما لم يؤذن له فيه قد لا يفعل ما أمر به قال :﴿وهم بأمره﴾ أي خاصة إذا أمرهم ﴿يعملون*﴾ لا بغيره لأنهم في غاية المراقبة له فجمعوا في الطاعة بين القول والفعل وذلك غاية الطاعة ؛ ثم علل إخباره بذلك بعلمه بما هذا المخبر به مندرج فيه فقال :﴿يعلم ما بين أيديهم﴾ أي مما لم يعلموه ﴿وما خلقهم﴾ مما عملوه، أو يكون الأول لما عملوه والثاني لما لم يعلموه، لأنك تطلع على ما أقدامك ويخفى عليك ما خلفك، أي أن علمه محيط بأحوالهم ماضياً وحالاً ومآلاً، لا يخفى عليه خافية ؛ ثم صرح بلازم الجملة الأولى فقال :﴿ولا يشفعون﴾ أي في الدنيا ولا في الآخرة ﴿إلا لمن ارتضى﴾ فلا تطمعوا في شفاعتهم لكم بغير رضاه، وبلازم الجملة الثانية فقال :﴿وهم من خشيته﴾ أي لا من غيرها ﴿مشفقون*﴾ أي دائماً.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٧٤
ولما نفى الشريك مطلقاً ثم مقيداً بالولدية، أتبعه التهديد على ادعائه بتعذيب المتبوع المجب لتعذيب التابع فقال :﴿ومن يقل منهم﴾ أي من كل من قام الدليل على أنه لا يصلح للإلهية حتى العباد المكرمون الذين وصف كرامتهم وقرب منزلتهم عنده وأثنى عليهم كما رواه البيهيقي في الخصائص من الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما :﴿إني إله﴾ ولما كانت الرتب التي تحت رتبة الإلهية كثيرة، بعّض ليدل على من استغرق بطريق الأولى فقال :﴿من دونه﴾ أي من دون الله ﴿فذلك﴾ أي اللعين الذي لا يصلح للتقريب أصلاً ما دام على ذلك ﴿نجزيه﴾ أي بعظمتنا ﴿جهنم﴾ لظلمه، فأفهم تعذيب مدعي الشرك تعذيب أتباعه من باب الأولى، وهو على سبيل الفرض والتمثيل في الملائكة من إحاطة علمه بأنه لا يكون، وما ذاك إلا لقصد تفظيع أمر الشرك وتعظيم شأن التوحيد، وفي دلائل النبوة للبيهيقي في باب التحدثبالنعمة والخصائص أن هذه
٧٨
الآية مع قوله تعالى ﴿ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك﴾ [الفتح : ٢] دليل على فضله ﷺ على أهل السماء.