ولما كان مقتضياً للسؤال عن غير هذا من الظلمة، قيل :﴿كذلك﴾ أي مثل هذا الجزاء الفظيع جداً ﴿نجزي الظالمين*﴾ كلهم ما داموا على ظلمهم.
ولما أنكر سبحانه اتخاذهم آلهة من دونه تارة بقيد كونها أرضية، وتارة بقيد كونها سماوية، وتارة مطلقة، لتعم كلا من القسمين وغيرهما، واستدل على ذلك كله بما لم تبق معه شبهة، فدل تفرده على أنه لا مانع له مما يريد من بعث ولاغيره، وكان علمهم لا يتجاوز ما في السموات والأرض، قال مستدلاً على ذلك أيضاً مقرراً بما يعلمونه، أو ينبغي أن يسألوا عنه حتى يعلموه لتمكنهم من ذلك ﴿فاسألوا أهل الذكر﴾ جلياً له في أسلوب العظمة :﴿أولم﴾ أي ألم يعلموا ذلك بما أوضحنا من أدلته ولم يروا، ولكنه أظهر للدلالة على أنهم يغطون أنوار الدلائل عناداً فقال :﴿ير﴾ أي يعلم علماً هو كالمشاهدة ﴿الذين كفروا﴾ أي ستروا ما يعلمون من قدرو الله فأدى ذلك إلى الاستهانة والتنقص فصار ذنبهم غير مغفور، وسعيهم غير مشكور، وحذف ابن كثير الواو العاطفة على ما قدرته مما هدى إليه السياق أيضاً، لا للاستفهام بما دل عليه ختام الآية التي قبلها من البعث والجزاء المقتضي للإنكار على من أنكره، فكان المعنى على قراءته : نجزي كل ظالم بعد البعث، ألم ير النمكرون لذلك قدرتنا عليه بما أبدعنا من الخلائق، وإنما أنكر عليهم عدم الرؤية بسبب أن الأجسام وإن تباينت لا ينفصل بعضها عن بعض إلا بقادر يفصل بينهما، فمن البديهي الاستحالة أن يرتفع شيء منها عن الآخر منفصلاً عنه بغير رافع لا سيما إذا كان المرتفع ثابتاً من غير عماد، فكيف وهو عظيم الجسم كبير الجرم ؟ وذلك دال على تمام القدرة والاختيار والتنزه عن كل شائبة نقص من مكافىء وغيره، فصح الإنكار عليهم في عدم علم ذلك بسبب أنهم عملوا بخلاف ما يعملونه ﴿إن السماوات والأرض﴾.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٧٨