ولما كان المراد الإخبار عن الجماعتين لا عن الأفراد قال :﴿كانتا﴾ ولما كان المراد شدة الاتصال والتلاحم، أخبر عن ذلك بمصدر مفرد وضع موضع الاسم فقال :﴿رتقاً﴾ أي ملتزقتين زبدة واحدة على وجه الماء، والرتق في اللغة : السد، الفتق : الشق ﴿ففقناهما﴾ أي بعظمتنا أي بأن ميزنا إحداهما عن الأخرى بعد التكوين المتقن وفتقنا السماء بالمطر، والأرض بأنواع النبات بعد أن لم يكن شيء من ذلك، ولا كان مقدوراٍ على شيء منه لأحد غيرنا ؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما وعطاء والضحاك وقتادة : كانتا شيءاٍ واحداٍ ملتزقتين ففضل الله تعالى بينهما بالهواء.
وعن مجاهد وأبي
٧٩
صالح والسدي : كانتا مؤتلفة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع سماوات، وكذلك الأرض كانت واحدة ففتقها فجعلها سبع طبقات.
ولما كان خلق الماء سابقاً على خلق السماوات والأرض، قال :﴿وجعلنا﴾ أي بما اقتضته عظمتنا ﴿من الماء﴾ أي الهمر ثم الدافق ﴿كل شيء حي﴾ مجازاً من النبات وحقيقة من الحيوان، خرج الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال للنبي ﷺ :﴿أخبرني عن كل شيء، ﴾ فقال :"كل شيء خلق من ماء.
" ولذلك أجاب النبي ﷺ ذلك الذي وجه على ماء بدر وسأله : ممن هو ؟ قوله :"نحن من ماء.
" ولما كان هذا من تصرفه في هذين الكونين ظاهراً ومنتجاً لأنهما وكل فيهما ومن فيهما بصفة العجز عن أن يكون له تصرف ما، تسبب عنه إنكار عدم إيمانهم فقال :﴿أفلا يؤمنون*﴾ أي بأن شيئاً منهما أو فيهما لا يصلح للإلهية، لا على وجه الشركة ولا على وجه الانفراد، وبأن صانعهما ومبدع النامي من حيوان ونبات منهما بواسطة الماء قادر على البعث للحساب للثواب أو العقاب، بعد أن صار الميت تراباً بماء يسببه لذلك.


الصفحة التالية
Icon