قيل : فينفيان كل شديد، ويبليان كل جديد، فعطف عليه قوله :﴿وما جعلنا﴾ أي بما لنا من العظمة التي اقتضت تفردنا بالبقاء ﴿لبشر﴾ وحقق عدم هذا الجعل بإثبات الجار فقال :﴿من قبلك الخلد﴾ ناظراً إلى قوله ﴿وما كانوا خالدين﴾ بعد قوله ﴿هل هذا إلا بشر مثلكم﴾ وهذا من أقوى الأدلة على أن الخضر عليه السلام مات، ويجاب بأن الحياة الطويلة ليست خلداً كما في حق عيسى عليه السلام، لكن قوله عليه السلام :"اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض بعداليوم" وقوله :" "لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو على ظهر الأرض اليوم أحد" وقوله :" "وددنا أن موسى عليه السالم صبر فقص علينا من أمرهما" في أمثال ذلك، يدل على موته دلالة لا تقبل ادعاء حياته بعدها إلا بأظهر منه.
ولما كان قولهم ﴿{بل هو شاعر﴾ [الأنبياء : ٥] مشيراً إلى أنهم قالوا نتربص به ريب المنون كما اتفق لغيره من الشعراء، وكان ينبغي أن لا ينتظر أحد لآخر من الأذى إلا ما يتحقق سلامته هو منه، توجه الإنكار عليهم والتسلية له بمنع شماتتهم في قوله :﴿أفائن﴾ أي يتمنون موتك فإن ﴿مت فهم﴾ أي خاصة ﴿الخالدون*﴾ فالمنكر تقدير خلودهم على تقدير موته الموجب لإنكار تمنيهم لموته، فحق الهمزة الموجب لإنكار تمنيهم لموته، فحق الهمزةدخولها على الجزاء، وهو فهم، وإنما قارنت الشرط لأن الاستفهام الصدر.


الصفحة التالية
Icon