ولما تم ذلك، أنتج قطعاً :﴿كل نفس﴾ أي منكم ومن غيركم ﴿ذاقة الموت﴾ أي فلا يفرح أحد ولا يحزن بموت أحد، بل يشتغل بما يهمه، وإليه الإشارة بقوله :﴿ونبلوكم﴾ أي نعاملكم معلملة المبتلي المختبر المظهر في عالم الشهادة الشاكر والصابر والمؤمن والكافر كما هوو عندنات في علام الغيب بأن نخالطهم ﴿بالشر﴾ الذي هو طبع النفوس، فهي أسرع شيء إليه، فلا ينجو منه إلا من أخلصناه لنا ﴿والخير﴾ مخالطة كبيرة، وأكد البلاء بمصدر من معناه مقرون بالهاء تعظيماً له فقال :﴿فتنة﴾ أي كما يفتن الذهب إذا أريدت تتصفية بمخالطة النار له، على حالة عظيمة محيلة مميلة لكم لا يتبت لها إلا الموفق ﴿وإلينا﴾ أي بعد الموت لا إلى غيرنا ﴿ترجعون*﴾ للجزاء حيث لا حكم لأحد أصلاً لا ظاهراً ولا باطناً كما هذه الدار بنفوذ الحكم فلا يكون إلا ما نريد فاشتغلوا بما ينجيكم منا، ولا تلتفتوا إلى غيره، فإن الأمر صعب، وجدوا فإن الحال جد.
٨٢
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٨١
ولما أخبر سبحانه عن إعراضهم عن الساعة تكذيباً، واستدل على كونها منزهة عن الغيب في خلق هذا العالم وتعاليه عن جميع صفات النفص واتصافه بأوصاف الكمال إلى أن ختم ذلك بمثل ما ابتدأ به على وجه أصرح، وكان فيه تنبيههم على الابتلاء وكان الابتالء على قدر النعم، فكان ﷺ أعظم شيء ابتلوا به لأنه لا نعمة أعظم من النعمة به، ولا شيء أظهر من آياته عطف على قوله " واسروا النجوى " قوله :﴿وإذا رءاك﴾ أي وأنت أشرف الخلق وكلك جد وجلال وعظمة وكمال ﴿الذين كفروا﴾ فأظهر منبهاً على أن ظلمهم الذي أوجب لهم ذلك هو الكفر وإن كان في أدنى رتبة، تبشيعاً له ونتبيهاً على أنه يطمس الفكر مطلقاً.


الصفحة التالية
Icon