ولما كان من المعلوم أنه ﷺ في غاية البعد عن الهزء، قال منبهاً على أنهم أعرقوا في الكفر حتى بلغوا الذروة :﴿إن﴾ أي ما ﴿يتخذونك﴾ أي حال الرؤية، وسيعلم من يبقى منهم عما قليل أنك جد كلك ﴿إلا هزواً﴾ أي جعلوك بحمل أنفسهم على ضد ما يعتقد عين ما ليس فيك شيء منه ؛ ثم بين استزاءهم به بأنهم يقولون إنكاراً واستصغاراً :﴿أهذ الذي يذكر﴾ أي بالسوء ﴿ءالهتكم﴾ قال أبو حيان : والذكر يكون بالخير والشر، فإذا لم يذكر متعلقه فالقرينة تدل عليه - انتهى.
فإذا دلت القرينة على أحدهما أطلق عليه ﴿وهم﴾ أي والحال أنهم على حال كانوا بها أصلاً في الهزء، وهي أنهم ﴿بذكر الرحمن﴾ الذي لا نعمة عليهم ولا على غيرهم إلا منه، وكرر الضمير تعظيماً بما أتوا به من القباحة فقال :﴿هم﴾ أي بظواهرهم وبواطنهم ﴿كافرون﴾ أي ساترون لمعرفتهم به، فلا أعجب ممن هو محل للهزء لكونه أنكر ذكر من لا نعمة منه ولا نقمة أصلاً بالسوء، وهو يذكر من كل نعمة منه بالسوء ويهزأ به.
ولما كان من آيات الأولين التي طلبوها العذاب بأنواع الهول، وكانوا هم أيضاً قد طلبوا ذلك واستعجلوا به ﴿عجل لنا قطنا﴾ [ص : ٢٦] ونحو ذلك، وكان الذي جرأهم على هذا حلم الله عنهم بإمهاله لهم، قال معللاً لذلك :﴿خلق﴾ وبناه للمفعول لأن المقصود بيان ما جبل عليه والخالق معروف ﴿الإنسان﴾ أي هذا النوع.
٨٣
ولما كان مطبوعاً على العجلة قالك لا ﴿من عجل﴾ فلذا يكفر، لأنه إذا خولف بادر إلى الانتقام عند القدرة فظن بجهله أن خالقه كذلك، وأن التأخير ما هو إلا عن عجز أو عن رضى ؛ ثم قا لتعالى مهدداً للمكذبين ك ﴿سأوريكم﴾ حقاً ﴿ءاياتي﴾ بين أيديكم وجعلهم شجاً في حلوقكم حتى يتلاشى ما أنتم عليه وغيره ذلك من العظائم ﴿فلا تستعجلون*﴾ أي تطلبوا أن أوجد العجلة بالعذاب أو غيره، فإني منزه عن العجلةة التي هي من جملة نقائصكم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٨٣


الصفحة التالية
Icon