ولما ذم العجلة وهي إرادة الشيء قبل أ، انه، ونهى عنها، قال دالاً عليها عاطفاً على عامل ﴿هذا﴾ :﴿ويقولون﴾ أي في استزائهم بأولياء الله :﴿متى هذا﴾ وتهكموا بقولهم :﴿الوعد﴾ أي بإتيان الآيات من الساعة ومقدمتها وغيرها، وزادوا في الإلهاب والتهييج تكذيباً فقالوا :﴿إن كنتم صادقين*﴾ أي عريقين في هذا الوصف جداً - بما دل عليه الوصف وفعل الكون.
ولما غلوا في الاستهزاء فكانوا أجهل الجهلة باستحالة الممكن، استأنف الجواب عن كالمهم بنفي العلم عنهم في الحال والمآل دون المعاينة على طريق التهكم والاستهزاء بهم :﴿لو يعلم الذين كفروا﴾ وذكر المفعول به فقال :﴿حين﴾ أي لو تجدد لهم علم ما بالوقت الذي تستعجلون به ؛ وذكر ما أضيف إليه ذلك الوقت فقال :﴿لا يكفون﴾ أي فيه بأنفسهم ﴿عن وجوههم﴾ التي هي اشرف أعضائها ﴿النار﴾ استسلاماً وضعفاً وعجزاً ﴿ولا عن ظهورهم﴾ التي هي أشرف أجسادهم، فعرف من هذا أنها قد أحاطت بهم وأنهم لا يكفون عن غير هذين من باب الأولى ﴿ولا هم ينصرون*﴾ أي ولا يتجدد لهم نصر ظاهراً ولا باطناً بأنفسهم ولا بغيرهم، لم يقولوا شيئاً من ذلك الكفر والاستهزاء والاستعجال، ولكنهم لا يعلمون ذلك بنوع من أنواع العلم إلا عند الوقوع لأنه لا أمارة لها قاطعة بتعيين وقتها ولا تأتي بالتدريج كغيرها، وهذا معنى ﴿بل تأتيهم﴾ أي الساعة التي هي ظرف لجميع تلك الأحوال وهي معلومة لكل أحد فهي مستحضرة في كل ذهن ﴿بغتة فتبهتهم﴾ أي تدعهم باهتين حائرين ؛ ثم سبب عن بهتهم قوله :﴿فلا يستطيعون ردها﴾ أى لا يطلبون طوع ذلك لهم في ذلك الوقت ليأسهم عنه ﴿ولا هم ينظرون*﴾ أي يمهلون من ممهل ما ليتداركوا ما أعد لهم فيها، فيا شدة اسفهم على التفريط في الأوقات التي أمهلوا فيها في هذه الدار، وصرفهم إياها في لذات أكثرها أكدار.
٨٤
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٨٣


الصفحة التالية
Icon