ولما كان التقدير حاق بهم هذا باستهزائهم بك، تبعه ما يدل على أن الرسل في ذلك شرع واحد، تسلية له ﷺ وتأسية، فقال عاطفاً على لآوإذا رءاك} :﴿ولقد﴾ مؤكداً له لمزيد التسلية بمساواة إخوانه من الرسل وبتعذيب أعدائه.
ولما كان المخوف نفس الاستهزاء لا كونه من معين، بني للمفعول قوله :﴿استهزىء برسل﴾ أى كثيرين.
ولما كان معى النتكير عدم الاستغراق، أكده بالخافض فقال :﴿من قبلك فحاق﴾ أى فأحاط ﴿بالذين سخروا منهم﴾ لكفرهم ﴿ما كانوا﴾ بما هو لهم كالجبلة ﴿به يستهزءون*﴾ من الزعود الصادقة كبعض من سألوه الإتيان بمثل آياتهم كقوم نوح ومن بعدهم.
ولما هددهم بما مضى مما قام الدليل على قدرته عليه، وختمه - لوقوفهم مع المحسوسات - بما وقع لمن قبلهم، وكان الأمان عن مثل ذلك لا يكون إلا بشيء يوثق به، أمره أن يسألهم عن ذلك بقوله :﴿قل من يكلؤكم﴾ أي يحفظكم ويؤخركم ويكثر رزقكم، وهو استفهام توبيخ.
ولما استوى بالنسبة إلى قدرته حذرهم وغفلتهم، قال :﴿بالّيل﴾ أي وأنتم نائمون.
ولما كانت مدافعة عذابه سبحانه غير ممكنة لنائم ولا يقظان قال :﴿والنهار﴾ أى وأنتم مستيقظون.
ولما كان لا منعم بكلاية ولا غيرها سواه سبحانه، ذكرهم بذلك بصفة الرحمة فقال :﴿من الرحمن﴾ الذي لا نعمة بحراسة ولا غيرها إلا منة حتى أمنتم مكروه ولو بقطع إحسانه، فكيف إذا ضربتم بسوط جبرتوه وسطوةة قهرة وعظموته.
ولما كان الجواب قطعاص : ليس لهم من يكلؤهم منه وهو معنى الاستفهام الإنكاري، قال مضرباً عنه :﴿بل هم﴾ أي في أمنهم من سطواته ﴿عن ذكر ربهم﴾ الذي لا يحسن إليهم غيره ﴿معرضون*﴾ فهم لا يذكرون أصلاً فضلاً عن أن يخشوا بأسه وهم يدعون أنهم أشكر الناس للإحسان.
ولما أرشد السياق إلى أن التقديرك أصحيح هذا الذي أشرناا إليه من أنه لا مانع لهم منا، عادله بقوله إنكاراً عليهم :﴿أم لهم ءالهة﴾ موصفة بأنها ﴿تمنعهم﴾ نوبَ الدهر.
٨٥


الصفحة التالية
Icon