ولما كانت جميع الرتب تحت رتبته سبحانه، أثبت حرف الابتداء فقال محقراً لهم :﴿من دوننا﴾ أي من مكروه هو تحت إرادتنا ومن جهة غير جهتنا.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٨٥
ولما كان الجواب قطعاً : ليس لهم ذلك، وهو بمعنى الاستفهام، استأنف الإخبار بما يؤيد هذا الجواب، ويجوز أن يكون تعليلاً، فقال :﴿لا يستطبعون﴾ أي الآلهة التي يزعمون أنها تنفعهم، أو هم - لأنهم لا مانع لهم من دوننا - ﴿نصر أنفسكم﴾ من دون إرادتنا فكيف بغيرهم، أو يكون ذلك صفة الالهة على طريق التهكم ﴿ولا هم﴾ أي الكفار أو الآلهة ﴿منا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿يصحبون*﴾ بوجه من وجوه الصحبة حتى يصير لهم استطاعة بنا، فانسدت عليهم أبواب الاستطاعة أصلاً ورأساً.
ولما لم يصلح هذا لأن يكون سبباً لاجترائهم، أضرب عنه قائلاً في مظهر العظمة، إشارة إلى أن اغترارهم به سبحانه - مع ما له من دلائل الجلال - من أعجب العجب، بانياً على نحو " لا كالىء لهم منه ولا مانع " :﴿بل متعنا﴾ أي بعظمتنا ﴿هؤلاء﴾ أي الكفار على حقارتهم، أو الإضراب عن عدم استطاعتهم للنصر، والمعنى أن ما هم فيه من الحفظ إنما هو منا لأجل تمتيعهم بما لا يتغير به إلا مغرور، لا من مانع يمنعهم ﴿وءاباءهم﴾ من قبلهم بالنصر وغيره ﴿حت طال عليهم العمر﴾ فكان طول سلامتهم غاراً لهم بنا، فظنا أنه لا يغلبهم على ذلك التمتيع شيء، ولا ينزع عنهم ثوب النعمة.
ولما أقام الأدلة ونصب الحجج على أنه لا مانع لهم من الله، تسبب عن ذلك الإنكار عليهم في اعتقاد غيره فقال :﴿أفلا يرون﴾ أي يعلمون علماً هو في وضوحه مثل الرؤية بالبصر ﴿أنا﴾ بما لنا من العظمة، وصور ما كان يجريه من عظمته على أيدي أوليائه فقال :﴿نأتي الأرض﴾ أي التي أهلها كفار، إتيانَ غلبة لهم بتسليط أوليائنا عليهم.


الصفحة التالية
Icon