ولما بيّن ما افتتحت السوة من اقتراب الساعة بالقدر عليه واقتضاء الحكمة له، وأن كل أحد ميت لا يستطيع شيئاً من الدفع عن نفسه فضلاً عن غيره، وختمت الآيات بإقرار الظالم بظلمه، وكانت عادة كثير من الناس الجور عند القدرة، بين أنه سبحانه بخلاف ذلك فذكر بعض ما يفعل في حساب الساعة من العدل فقال عاطفاً على قوله " بل تأتيهم بغتة " :﴿ونضع﴾ فأبرزه في مظهر العظمة إشارة إلى هوانه عنده وإن كان لكثرة الخالئق وأعمال كل منهم متعذراً عندنا ﴿الموازين﴾ المتعددة لتعدد الموزونات أو أنواعها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٨٦
ولما كانت الموازين آلة العدل، وصفها به مبالغة فقال ﴿القسط﴾ أي العدل المميز للأقسام على السوية.
ولما كان الجزاء علة في وضع المقادير، عبر باللام ليشمل - مع ما يوضع فيه -
٨٧
ما وضع الآن لأجل الدنيوية فيه فقال :﴿ليوم القيامة﴾ الذي أنتم عنه - لإعراضكم عن الذكر - غافلون.
ولما جرت العادة بأن الملك قد يكون عادلاً فظلم بعض أتباعه، بين أن عظمته في إحاطة علمه وقدرته تأبى ذلك، فبنى الفعل للمجهول فقال :﴿فلا﴾ أي فتسبب عن هذا الوضع أنه لا ﴿تظلم﴾ أي من ظالم ما ﴿نفس شيئاً﴾ من عملها ﴿وإن كان﴾ أي العمل ﴿مثقال حبة﴾ هذا على قراءة الجماعة بالنصب.
والتقدير على قراءة نافع بالرفع : وإن وقع أو وجد ﴿من خردل﴾ أو أحقر منه، وإنما مثل به لأنه غاية عندنا في القلة، وزاد في تحقيره بضمير التأنيث لإضافته إلى المؤنث فقال :﴿أتينا بها﴾ بما لنا من العظمة في العلم والقدرة وجميع صفات الكمال فحسبناه عليها، والميوان الحقيقي.
ووزن الأعمال على صفة يصح وزنها معها بقدرة من لا يعجزه شيء.