ولما كان حساب الخلائق كلهم على ما صدر منهم أمراً باهراً للعقل، حقره عند عظنته فقال :﴿وكفى بنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿حاسبين*﴾ أي لا يكون في الحساب أحد مثلنا، ففيه توعد من جهة أن معنها أنه لا يروج عليه شيء من خداع ولا يقبل غلطاً، ولا يضل ولا ينسى، إلى غير ذلك من كل ما يلزم منه نوع لبس أو شوب نقص، ووعد من جهة أنه لا يطلع على كل حسن فقيد وإن دق وخفي.
ولما قدم في قوله ﴿ما يأتيهم من ذكر من ربهم﴾ - الآية وغيره أنهم أعرضوا عن هذا الذكر تعللاً بأشياء منها طلب آيات الأولين، ونبه على إفراطهم في الجهل بما ردوا من الشرف بقوله ﴿لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم﴾ ومر إلى أن ختم بالتهديد بعذابه، وأنه يحكم بالقسط، وكان كتاب موسى عليه السلام بعد القرآن أعظم الكتب السماوية، وكان أهل الكتاب قد أعرضوا عنه غير مرة على زمن موسى عليه السلام بعادة العجل وغيره وبعد موته مع كون المرسل، به اثنان تاضدا على إبلاغه وتقرير أحكامه بعد أن بهرا العقول بما أتيا به من الآيات التي منها - كما بين في سورة البقرة والأعراف - التصرف في العناصر الأربعة التي هي أصل الحيوان الذي بدأ الله منها خلقه.
ومقصود السورة الدلالة على إعادته، ومنمها ما عذب به من أعرض عن ذكر موسى وهارون عليهما السلام الذي هو ميزان العدل لما نشر من الضياء المورث للتبصرة الماحقة للظلام، فلا يقع متبعه في ظلم، كان الحساب تفصيل الأمور ومقابلة كل منها بما يليق به، وذلك بعينه هو الفرقان، قال سبحانه بعد آية الحساب عاطفاً على " لقد نزلنا " :﴿ولقد ءاتينا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿موسى وهارون﴾ أي أخاه الذي سأل أن يشد أزره به ﴿الفرقان﴾ الذي تعاضدا على إبلاغه والإلزام بما دعا إليه حا لكونه مبيناً لسعادة الدارين، لا يدع لبساً في أمر من الأمور ﴿وضياء﴾ لا ظلام معه، فلا ظلم للمستبصر
٨٨


الصفحة التالية
Icon