ولما غلوا في الجهل غير محتشمين من إقرارهم على أنفسهم به، بالاستناد إلى محض التقليد بعد إفلاسهم من أدنى شبهة فضلاً عن الدليل، استأنف الله تعالى الإخبار عن جوابه بقوله :﴿قال﴾ أى منبهاً لهم بسوط التقريع على أن الكلام مع ىبائهم كالكلام معهم :﴿لقد كنتم﴾ وأكد بقوله :﴿أنتم﴾ لأجل صحة العطف لأن الضمير المرفوع المتصل حكمه حكم جزء الفعل، هذا مع الإشاة إلى الحكمم على ظواهرهم وبواطنهم ﴿وءاباؤكم﴾ أي من قبلكم ﴿في ضلال﴾ قد أحاط بكم إحاطة الظرف بالمظروف والمسلوك بالسلك ﴿مبين*﴾ ليس به نوع من الخفاء.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٨٩
ولما لم تكن عادته مواجهة أحد بما يكره، استأنف الإخبار عنهم بما يدل عليه فقال :﴿قالوا﴾ ظناً منهم أه لم يقل ذلك على ظاهرة :﴿أجئتنا﴾ في هذا الكلام في هذا الكالم ﴿بالحق﴾ الذي يطابقه الواقع ﴿أم أنت من اللاعبين*﴾ فظاهر كلامك غير حق ﴿قال﴾ بانياً على ما تقديره : ليس كلامي لعباً، بل هو جد، وهذه التماثيل ليست أرباباً ﴿بل ربكم﴾ الذي يستحق منكم اختصاصه بالعبادة ﴿رب السموات والأرض﴾ أي مدبرهن القائم بمصالحهن ﴿الذي فطرهن*﴾ أي أوجدهما وشق بهما ظلمة العدم، وأنتم وتماثيلكم مما فيها من مصنوعاته أنتم تشهدون بذلك إذا رجعتم إلى عقولكم مجردة عن الهوى ﴿وأنا على ذلكم﴾ الأمر البين من أنه ربكم وحده فلا تجوز عبادة غيره ﴿من الشاهدين*﴾ أي الذين يقدرون على إقامة الدليل على ما يشهدون به لأنهم لم يشهدوا إلا على ما هو عندهم مثل الشمس، لا كما فعلتم أنتم حين اضطركم السؤال إلى الضلال.
ولما أقام البرهان على إثبات الإله الحق، أتبعه البرهان على إبطال الباطل فقال :﴿وتالله﴾ وهو القسم، والأصل في القسم الباء الموحدة، والواو بدل منها، والتاء بدل من الواو، وفيها - مع كونا بدلاً - زيادة على التأكيد بالتعجب : قال الأصبهاني : كأنه تعجب
٩١
من تسهل الكيد على يده - انتهى.


الصفحة التالية
Icon