ولما كانوا في غاية التعظيم لأصنامهم لرسوخ أقدامهم في الجهل، لم يقع في أوهامهم قط أن إبراهيم عليه السلام يقدم على ما قال، وعلى تقدير إقدامه الذي هو عندهم من قبيل المحال لا يقد على ذلك، فتولوا إلى عيدهم، وقصد هو ما كان عزم عليه فشمر في إنجازه تشميراً يليق بتعليقه اليمين بالاسم الأعظم ﴿فجعلهم﴾ أي عقب توليهم ﴿جذاذاً﴾ قطعاً مهشمة مكسرة مفتة، من الجذ وهو القطع ﴿إلا كبيراً﴾ واحداً ﴿لهم﴾ أي للأصنام أو لعبادها فإنه لم يكسر وجعل الفأس معه ﴿لعلهم﴾ أي أهل الضلال ﴿إليه﴾ وحده ﴿يرجعون*﴾ عند إلزامه لهم بالسؤال فتقوم عليهم الحجة، إذ لو ترك غيره معه لربما زعموا أن كلاّ يكل الكلام إلى الآخر عند السؤال لغرض من الأغراض، فلما عادوا إلى أصنامهم فوجدوها على تلك الحال علم أنه لا بد لهم عند ذلك من أمر هائل، فاستؤنف الإخبار عنه بقوله :﴿قالوا﴾ أي أهل الضلال :﴿من فعل هذا﴾ الفعل الفاحش ﴿بىلهتنا﴾ ثم استأنفوا الخبر عن الفاعل فقالوا مؤكدين لعلمهم أن ما أقامه الخليل عليه السلام على بطلانها يميل القلوب إلى اعتقاد أن هذا الفعل حق :﴿إنه من الظالمين*﴾ حيث وضع الإهانة في غير موضعها، فإن الآلهة حقها الإكرام، لا الإهانة والانتقام ﴿قالوا﴾ أي بضهم لبعض :﴿سمعنا﴾ ولم يريدوا تعظيمه مع شهرته وشهرة أبيه وعظمتهما فيهم ليجترىء عليه من لا يعرفه فنكروه بقولهم :﴿فتى﴾ أي شاباً من الشبان ﴿يذكرهم﴾ أي بالنقص والعيب ﴿يقال له إبراهيم*﴾ يعنون : فهو الذي يظن أنه فعله ﴿قالوا﴾ مسببين عن هذا كارهين فإلى الله المشتكى من قوم يأخذون أكابر أهل دينهم بغير بينة بل ولا ظنة ﴿فأتوا به﴾ إلى هنا أي إلى بيت الاصنام ﴿على اعين الناس﴾ أى جهرة، والناس ينظرون إليه نظراً لا خفاء معه حتى كأنه ماشٍ على ابصارهم، متمكناً منها تمكن الراكب على المركوب، وعبر بالعين عن البصر ليفهم الأكابر، ويجمع القلة
٩٢